فإنه يقال : هذا صحيح ! إلا أن ما التزمت به بعض الفرق منهم لا يقل خطورة عما التزم به المشركون من أهل الديانات المنحرفة ، وعليه لا بدَّ من التحرر عقلا وشرعا عما يحتمله من التأثر بالأفكار المنحرفة الضَّالة ، خاصة مع احتمال النقص في الدين المُسَبّب عن بقائه معهم والسكنى في مجتمعهم بملاك ما دلَّ على حرمة التعرب حيث يقل الدين ما دام هذا الاحتمال قائما عند العقلاء .
ومع ذلك لا يمكن الالتزام بوجوب الهجرة عن بلاد أهل الخلاف إلى بلاد أهل الإيمان وذلك لحكومة أدلة التقيَّة على أدلة وجوب الهجرة إذا قلنا بشمول أدلة وجوب الهجرة عن بلاد الخلاف أيضا خاصة بزمن الغيبة عجّل الله تعالى فرجه الشريف ، فلا شك أنها أبرز موارد التقيَّة إذا لم نقل أن مورد التقيَّة مختص بأهل الخلاف .
خاصة لو تأملنا بروايات التقيَّة فهي ناظرة إلى الصلاة بجماعتهم وتشييع جنازتهم وعيادة مرضاهم وما شاكل ذلك ، وإذا قلنا بوجوب الهجرة عنها لا يبقى مورد للتقية أصلا ، أو تبقى موارد نادرة .
إضافة إلى أن السيرة القطعية قائمة على عدم الهجرة من بلاد الإسلام - ولو كان الغالب عليها النفاق والعقائد الفاسدة - إلى البلاد الذي يغلب عليها الإيمان ويمكن إقامة شعائر الإيمان فيها وإظهار التولي والتبري ، حتى مع القدرة وعدم الضرر والحرج .

94