وذلك ان الزاهد يعيش الخوف من الله فهو في حزن وتأسف على ما يفرط في جنب الله ، وفي حذر دائما من الانزلاق بمهاوي الدنيا فلا يأنس ما دام لم يصل إلى برّ الآمان .
فهو لا يأمن غدر الدنيا في كل آن وينتظر الانتقال عنها في أي لحظة . . وهذا ما يجعل حزنه في اشتداد ، حتى إذا ما أدركته المنيّة تبدلت أحواله ليعيش الفرحة الدائمة والنعيم الذي لا يزول وينقضي حزنه ومقته بلقاء رب رحيم ورضوان من الله أكبر . . .
وقال عليه السّلام : « أفضل الزهد إخفاء الزهد » [248] .
هذه الصفة لا تتنافى مع كون الزاهد طريقا إلى الله فإن محاولة الزاهد إخفاء زهده لكيلا يصاب بالعجب والغرور من أعلى درجات الزهد ولذا نجده عليه السّلام يعطي ضابطة مهمة لتميز الزاهد الحقيقي عمن تلبس بلباس الزهد فقال عليه السّلام : إذا هرب الزاهد من الناس فاطلبه . وفي آخر قال عليه السّلام : إذا طلب الزاهد الناس فاهرب منه [249] .
اللهم بصرنا عيوب الدنيا وزهدنا فيها كيلا نرغب إلا بمرضاتك ، ولا تجعل الدنيا أكبر همّنا ولا غاية مبلغنا ، واجعل عاقبة أمرنا خيرا وخير أيامنا يوم نلقاك . .

[248] نهج البلاغة ص 472 / روضة الواعظين ج 2 ص 434 مجلس في الزهد والتقوى .
[249] غرر الحكم ص ح 6061 و 6062 .

215