وإن كان تعميم التعرب لما يشمل جميع هذه المسائل له وجه ، فإن قيل به فتكون السكنى في بلاد الكفار أو المشركين مع النقص في الدين ، أو عدم المحافظة عليه والتأثر بعاداتهم من أبرز مصاديق التعرب .
وهل التعرب مختص بزمن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ؟
الظاهر أن الموضوع ليس مختصا بمن هاجر إلى المدينة في زمن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ثم خرج عنها كما قد يتوهم .
بل يمكن القول إن حكاية بعض الروايات عن هذا المصداق ليس إلا من باب أنه أبرز مصاديق التعرب في ذلك الزمان بل هو أول مصداق للتعرب عند المسلمين ، إذ قبل الهجرة إلى المدينة لم يكن للمسلمين بلاد تسمى بلاد الإسلام ، وبعدها كان الخروج من المدينة والسكنى خارجها لا لتبليغ الأحكام هو المصداق الوحيد لهذا المعنى فإن خارج المدينة كان بلاد كفر وشرك ، وكان يجب على من أسلم من أهل مكة الهجرة إلى المدينة المشرَّفة ، حتى منَّ الله تعالى على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم والمؤمنين بفتح مكة ، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : « لا هجرة بعد الفتح » ، وذلك لصيرورتها ثاني بلد إسلامي .
وعليه لا يمكن الالتزام بان التعرب لا مصداق له اليوم ، وأنه كان مختصا بزمن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كما حكي عن بعض . وذلك للأمور التالية :

49