أولاً : الأصل عدم اختصاص الأحكام في الشريعة الإسلامية بزمن معين أو بالمخاطبين بها ، فهي عامة لكل زمان ومكان وجد وتحقق موضوع الحكم ، وتوفرت الشرائط ، إلا أن يدل الدليل على خلاف ذلك ، كما أن الأصل عدم النسخ لو شُكّ فيه .
وثانيا : إن أغلب روايات التعرب صادرة عن الأئمة المعصومين عليهم السلام سيّما عن الإمامين الصادق والرضا عليهما السلام وليس لسانها هو الحكاية عن مسألة مضت وكانت في زمن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم .
مع أنه في زمانهما عليهما السّلام كانت البلاد الإسلامية كثيرة ، والإسلام منتشر وقوي في أغلب بقاع الأرض بل كان هو الأقوى .
وثالثا : فإنه لو تنزلنا وقلنا بأنه محتمل الاختصاص بزمن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ومحتمل الشمول لكل زمان ، فإن الاستصحاب يقتضي بقاء الحكم إذ مرجع الشك إلى انقضاء الحكم وعدمه .
نعم لو قيل بأن موضوع حرمة التعرب هو خصوص البقاء بالمدينة لأجل المحافظة على الدولة الحديثة ، لان سقوطها يعني القضاء على الإسلام في مهده في الوقت الذي كان المشركون وحلفاؤهم يشنون الغارات والحروب ويعدّون العدّة للقضاء على الإسلام ، أو لأجل الحفاظ على نفس المسلمين فإن سكناهم بين المشركين أو الكفار يعرض حياتهم للخطر .
فإن ذلك وإن كان ممكنا تصوره ، ويستدعي وجوب البقاء بالمدينة وحرمة الخروج عنها ، إلا أن هذه المعاني ليست من التعرب في شيء .

50