إسم الكتاب : رسالة حول مسألة رؤية الهلال ( عدد الصفحات : 176)
على الشّهور ، فلو كانت الشّهور إنّما تعرف بطريق العدد ، لخصّ التوقيت بالعدد دون رؤية الأهلَّة ، لأنّ عند أصحاب العدد لا عبرة برؤية الأهلَّة في معرفة المواقيت . انتهى . أقول : ونعم ما أفاد قدّس الله سرّه . فنقول : حمل الرّؤية في الرّوايات على الطَّريقيّة المحضة ، يساوق إلغاء خصوصيّة الرّؤية ، فيناقض الآية المباركة : قل هي مواقيت للناس والحجّ . لأنّ الله جعل الأهلَّة مواقيت ، ولا يكون الهلال ميقاتا إلَّا إذا رئي ، فالرّؤية دخيلة في كونها مواقيت فمن أنكر انحصار طريقيّتها ، فقد أبطل ميقاتيتها . فالآية أدلّ دليل على دخالة الرّؤية على مبادي الشّهور ، كما أنّها أدلّ دليل على بطلان القول بعدم لزوم الاشتراك في الآفاق ، وكفاية رؤية ما ولو من بعيد ، أو كفاية الرّؤية الإمكانيّة ، فالله جعلها مواقيت للنّاس جميعا ، لكلّ بلدة لكلّ جيل . ولا معنى لجعل الهلال الخارج عن الشعاع ، والقابل للرّؤية في إسبانيا ميقاتا لأهل بلخ وبخارا ولا الهلال الطالع للأعراب القاطنين في المراكش واللَّيبيا ميقاتا للتركمن والأتراك القاطنين في الصّين . فمن التزم بهذا فقد أبطل سمات الأهلَّة ، وأنكرها مواقيت ، ومن ادّعى عدم تنافيه مع الآية الكريمة ، فهل يا ترى إلَّا كونه لاعبا بالقرآن العظيم ؟ وأمّا ما استدلّ لطريقيّتها المحضة من كفاية قيام البيّنة الَّتي هي تبيّن الواقع - كما يشعر به لفظها - على ذلك ، أو مضىّ ثلاثين يوما من شعبان ولو لم ير أحد الهلال ، فيرد عليه : أوّلا أنّ البيّنة ، وإن كانت صفة مشبهة من بان يبين فيقال بيّن وبيّنة كسيّد وسيّدة من ساد يسود ، وحيث إنّ موصوفها هي الحجّة ، يقال : بيّنة بالتّاء ، أى حجّة واضحة لا خفاء فيها ، وبهذا المعنى تكون مرادفا للبرهان . لكنّها حجّة واضحة بالنّسبة الى ما تعلَّقت به ، لا إلى شيء آخر ، وهذا واضح . فلا بدّ من أن يلاحظ متعلَّقها في كلّ مورد فيحكم بثبوته في متن الواقع بالتعبّد ، كما يحكم بالثبوت فيما إذا تعلَّق به القطع الوجدانيّ . وفي المقام إذا فرض دلالة النّصوص والفتاوى على كفاية البيّنة القائمة على دخول الشّهر ، أو على خروج الهلال عن الشّعاع ، أو على وجوده في الأفق ، كان لما أفيد من دلالة البيّنة على طريقيّة المحضة للرّؤية وجه ، لقيامها مقام الرّؤية ، فكلّ واحد من