كما أنّ بناء دعوى ارتكاز لزوم الرؤية المستفادة من دليل لزومها على الطريقيّة دون الصّفتيّة كذلك . لأنّ هذه النّقود إنّما نهضت لكسر الدّعوى ، إذا تمسّكنا بنفس أدلَّة حجّيّة الأمارة واعتبارها . وأمّا مع الأدلَّة الخاصّة في المقام ، فلا ريب في قيام المدّعى على ساقه . فإذن لا مناص من دعوى حكومة أخبار البيّنة إلى الآفاق القريبة ، بتوسعة دائرة الرؤية الَّتي هي عبارة عن الإبصار بالعيون المتّصلة ، بالإبصار بالعيون المنفصلة ، بالجعل التّشريعيّ دون البعيدة منها ، للزوم رفض الرؤية ، كما عرفت في الرّسالة . وأمّا ما أفدت من عدّ الثّلاثين إذا لم تتيسّر الرؤية والبيّنة ، حيث إنّه يوجب العلم بخروج السّابق ودخول اللَّاحق . ففيه ما مرّ من أنّ الثّلاثين يعدّ في الأخبار الكثيرة عدلا للرؤية ، ولم يظهر في واحد منها أنّه يكون طريقا وكاشفا إلى دخول الشّهر الجديد . وما أفدت من وجوب قضاء يوم الشّكّ الَّذي أفطر ، لعدم طريق إلى ثبوته ، فتبيّن بعد ذلك بالبيّنة أو بالرؤية ، ليلة التّاسع والعشرين من صومه ، وجود الشّهر في يوم إفطاره ، ففات عنه الواجب الواقعي ، فلا يدلّ على الطريقيّة المحضة للرؤية . وذلك ، لأن الرؤية أو البيّنة ليلة التاسع والعشرين من صومه ، كما أنّها كاشفة وطريقة إلى ثبوت الفطر ، كذلك كاشفة وطريقة إلى ثبوت الهلال قبل مضىّ تسعة وعشرين يوما من رؤيته [1] . لأنّ مفاد أدلَّة حجّيّة الأمارة هو تتميم الكشف ، وجعلها بمنزلة
[1] لا يقال : كاشفيّة الرؤية الفعليّة أو البيّنة ليلة التاسع والعشرين عن ثبوت رمضان يوم الشّك انّما تتمّ بعد ضمّ مقدّمة خارجة وهي إثبات انّ الشهر لا يمكن ان يكون انقص من تسعة وعشرين يوما ، وحيث كانت هذه الضميمة قضيّة خارجيّة علميّة لا يمكن الاستناد إليها بعد فرض لزوم الرؤية الفعليّة الخارجيّة لتحقّق الشهور الشرعيّة كما ستبيّن . لأنّه يقال : انّا لا نستند في إثبات هذه القضية الخارجية إلى مقدّمات علميّة نجوميّة فقط ، بل نستند الى الروايات الواردة في المقام وهي كثيرة أوردها في الوسائل كتاب الصّيام ، أبواب أحكام شهر رمضان باب 5 فمنها ما رواه عن الشيخ بإسناده عن محمد بن مسلم عن أحدهما يعني أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما السلام قال شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان فإذا صمت تسعة وعشرين يوما ثم تغيّمت السّماء فأتمّ العدّة ثلاثين ومنها ما رواه عنه بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال : انّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال : انّ الشهر هكذا وهكذا وهكذا يلصق كفّيه ويبسطهما ثمّ قال : هكذا وهكذا وهكذا ثمّ يقبض إصبعا واحدة في آخر بسطه بيديه وهي الإبهام فقلت : شهر رمضان تامّ أبدا أم شهر من الشهور ؟ فقال : هو شهر من الشهور ثمّ قال : انّ عليّا عليه السلام صام عندكم تسعة وعشرين يوما فأتوه فقالوا : يا أمير المؤمنين قد رأينا الهلال فقال : أفطروا . ومنها ما رواه عنه عن عثمان بن عيسى عن سماعة قال صيام شهر رمضان بالرؤية وليس بالظَّن وقد يكون شهر رمضان تسعة وعشرين يوما وقد يكون ثلاثين ويصيبه ما يصيب الشهور من التّمام والنّقصان . وعنه عن عثمان بن عيسى عن رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام مثله . ومنها ما رواه عنه بإسناده عن يونس بن يعقوب مثله الَّا انّه قال : ثم قال لي : قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم : الشهور شهر كذا وقال بأصابع يديه جميعا فبسط أصابعه كذا وكذا وكذا ، وكذا وكذا وكذا فقبض الإبهام وضمّها قال : وقال له غلام له وهو معتب : انّى قد رأيت الهلال قال فاذهب فأعلمهم . ومنها ما رواه عنه بإسناده عن أبى خالد الوسطى عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال : انّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : وإذا خفي الشهر فأتمّوا العدّة شعبان ثلاثين يوما وصوموا الواحد والثلاثين وقال بيده الواحد واثنان وثلاثة واحد واثنان وثلاثة ويزوي إبهامه ثم قال : ايّها الناس شهر كذا وشهر كذا . ومنها ما رواه عنه بإسناده عن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : ما أدرى ما صمت ثلاثين أو أكثر أو ما صمت تسعة وعشرين يوما انّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال : شهر كذا وشهر كذا وشهر كذا يعقد بيده تسعة وعشرين يوما . وغيرها من الروايات الكثيرة فإذن كاشفيّة الرؤية الفعليّة أو البيّنة ليلة التاسع والعشرين عن خروج الشهر الماضي شرعا بعد هذه المقدّمة الشرعيّة ممّا لا خفاء فيها . ( منه عفى عنه ) .