السواتر في بعض الأصقاع ، فلو لا أنّ العمل على الأهلَّة أصل في الدّين معلوم لكافّة المسلمين ما كانت الحال في ذلك على ما ذكرناه ، ولكان اعتبار جميع ما ذكرناه عبثا لا فائدة فيه وهذا فاسد بلا خلاف ، فأمّا الأخبار في ذلك فهي أكثر من أن تحصى ، لكنّي أذكر منها قدر ما فيه كفاية إن شاء اللَّه تعالى - انتهى . ثمّ ذكر الرّوايات الدّالة على لزوم الرؤية . وأنت بالتأمّل فيما أفاده - قدّه - تعرف مواضع منا الدّليل على لزوم الرؤية وعدم كفاية نفس الخروج عن تحت الشعاع فلو كانت الرؤية كاشفة صرفة وطريقا محضا لكان جميع ما أفاده لغوا عبثا ولكان الخروج بدون الرؤية موضوعا للحكم فقد عرفت أن الآية والسّنة تدلَّان على لزوم الرؤية وهذا عين معنى الجزئيّة . وأمّا السنّة ، فهي بخلاف ما أفذت أدلّ ، وما ادّعيت من الأمر بالصّوم للرؤية ، لأجل لزوم إحرازه لخصوص شهر الصّيام ، دعوى منك ، وعدم جواز الاكتفاء بالامتثال الظَّنّي أو الاحتمالى كما في صحيحتي ابن مسلم والخزّاز وموثّق ابن عمّار ورواية القاسانيّ ، صحيح ولكن لا تدلّ بأزيد من عدم جواز الاكتفاء بالظَّنّ والشّك ، ولا تنفى موضوعيّة الرؤية ، ولا تثبت طريقيّتها المحضة وكاشفيّتها الصّرفة . وأمّا قولك باعتبار البيّنة مقام الرّؤية ، فلو كانت جزءا بنحو الصّفتيّة لما استقام قيام البيّنة مقامها ، فعجيب منك ، لأنّ استحالة قيام البيّنة مقام القطع الموضوعي ، بنحو الصّفتيّة ، إنّما هي فيما إذا كان قيامها مقامه بنفس أدلَّة حجّيتها واعتبارها ، لا فيما إذا دلّ دليل خاصّ على القيام . صرّح بذلك شيخنا الأنصاري - قدّس سرّه - وكلّ من تأخّر عنه حتّى في زماننا هذا من مشايخنا قدّس الله أسرارهم . وهذا هو الَّذي صرّحت به نفسك الشريفة في مجلس البحث ، فكأنّي الآن أسمع كلامك ، حيث أفدت بقولك : أنّ الأمارات بنفس دليل حجيتها تقوم مقام القطع الطريقي المحض ، وهذا ممّا لا ريب فيه بل لا معنى لحجيّة الأمارات إلَّا هذا . كما لا ريب في عدم قيامها بدليل حجّيّتها مقام القطع الموضوعي على وجه الصّفتيّة . وليس هذا لأجل استحالة ذلك ، لأنّ موضوعات الأحكام بيد الحاكم ، فكما يمكن أن يرتّب الحكم على خصوص القطع ، يمكن أن يرتّبه على الأعمّ منه ومن موارد قيام الأمارة . بل لأجل عدم نهوض أدلَّة حجّيّتها بذلك ، فإنّ أدلَّتها ناظرة إلى إثبات الواقع وترتيب آثار الواقع وليست ناظرة إلى أنّه يترتّب على الأمارة ما يترتّب على القطع من حيث كونه صفة خاصّة قائمة بنفس القاطع - انتهى الإفادة .