الدنيا الفانية ، وقد لا يكون كما في الأصوات الحسنة المطربة الموجبة للفرح والانبساط ، المذهبة للهموم والغموم ، المسلية عن المصائب والرزايا . ودعوى أنّ الصوت المطرب لا ينفكّ عن اللهو . مجازفة كما أشرنا إليه . وما في بعض كتب [1] العامة من أنّ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم دخل بيت الربيع بنت معوذ ، وعندها جوار يغنّين ، فسمع إحداهنّ تقول : « وفينا نبيّ يعلم ما في غد » على وجه الغناء ، فقال عليه السّلام دعي هذا ، وقولي ما كنت تقولين [2] . وهذه شهادة بالنّبوّة وأنّ وجه الزجر هو كون الغناء لهوا ، والشهادة بالنبوّة جدّا محضا ، فلا تقترن بصورة اللهو [3] . لا يلتفت إليه لعدم ثبوت هذه الرواية عندنا ، وعلى تقدير ثبوتها لا دلالة فيها على المدّعى . هذا ، مع أنّ في الأصوات المطربة ما يلهي المبتلى بشهوات الدنيا عنها ، ويكفّه عن ملاهيها وملاذّها ، ويشوّقه إلى الملإ الأعلى والدرجات العلى ، فكيف يسمّى مثل هذا الصوت لهوا أو لهويّا أو مزمارا للشيطان صادّا عن عبادة الرحمن ؟ وقد حكي أنّ بعض [4] العارفين قد هيّئ له ليلة طعام ، فلمّا وضع بين يديه إذ سمع مغنّيا يغنّي بهذا البيت : وتلهيك عن دار الخلود مطاعم * ولذة نفس غيّها غير نافع
[1] . إحياء علوم الدين ، ج 2 ، ص 327 . [2] . هذا الخبر ورد في سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 611 ، حديث 1897 وأيضا في أسد الغابة في معرفة الصحابة ، ج 5 ، ص 452 بتفاوت مع ما في المتن ، فراجع . [3] . احياء علوم الدين ، ج 2 ، ص 327 . [4] . هو عتبة بن أبان بن سمعه من نسّاك البصرة ، انظر أخباره في حلية الأولياء ، ج 6 ، صص 238 - 226 . أيضا انظر : اتحاف السادة المتّقين ، ج 6 ، ص 544 . أيضا ربيع الأبرار ، ج 1 ، ص 760 .