الموصوف أخصّ من مصدر فعله ، كقولك سرت سير البريد ، وضربت ضربا شديدا [1] انتهى فتدبّر . فحيث ظهر وبان ضعف هذا القول تعيّن الثاني ، لتصريح أكثر أهل اللغة ، بل وغيرهم ، به ، كما لا يخفى على المتتبع المتنبّه . هذا ، مع أنّي لا أظنّ العرب يصحّحون سلب الغناء عن الأصوات المشتملة على الترجيع مع الإطراب ، بل الظاهر تبادر ذلك منه عندهم ، كما صرّح به بعض الأطياب . وكلام السيّد المرتضى رحمه اللَّه على بيت النابغة شاهد على ما ذكرنا بلا ارتياب ، فإنّه جعل العلاقة هو المشابهة في الإطراب . فتحصّل ممّا بيّناه وشرحناه : أنّ الحقيقة العرفيّة لهذا اللفظ هو : الصوت اللهويّ الشامل للمقترن بالملاهي ، والحقيقة اللغوية له هو الصوت المطرب ، ولا حاجة إلى اعتبار الترجيع ، لاستلزام الإطراب للترجيع ، كما أشرنا إليه . فكلّ صوت مطرب يستعمله إنسان غناء لغة ، وإن لم يكن على سبيل اللهو ولم يقترن بشيء من الملاهي والمحرّمات ، والَّا فهو غناء عرفا . ولا فرق - على الوجهين - بين ما كان مشتملا على كلام مفهوم المعنى وغيره ، ولا بين ما كان في كلام باطل وحقّ ، ولا بين الشعر وغيره ، ولا بين المرثيّة وغيرها ، فإنّ ذلك كلَّه مع الإطراب غناء لغة ومع التلهّي غناء عرفا ولغة ، فإنّ كلّ ما يطلق عليه الغناء في العرف يطلق عليه الغناء لغة ، دون العكس ، كما لا يخفى . ثمّ ليعلم أنّ المراد بالصوت اللهويّ : يحتمل أن يكون مطلق ما يتلهى به ، وأن لم يحكم بحرمته ، بناء على عدم ثبوت حرمة مطلق اللهو ، كما أشرنا إليه في المقدمة العاشرة ، لعدم اعتبار الحرمة في صدق الغناء العرفيّ ، وحمل ما يأتي من الاخبار على اللهويّ المحرّم لا يوجبه .
[1] . إيقاظ النائمين وقد سبق ذكره ، راجع التمهيد في علوم القرآن ، ج 5 ، ص 210 .