من قبائل العرب فأضافني رجل منهم ، وأدخلني خبائه فرأيت في الخباء عبدا أسود مقيّدا بقيد ، ورأيت جمالا قد ماتت بين يدي البيت ، وقد بقي منها جمل وهو ناحل ذابل كأنّه ينزع روحه ! فقال لي الغلام : أنت ضيف ولك حقّ فتشفّع في إلي مولاي فإنّه مكرم لضيفه ، فلا يرد شفاعتك في هذا القدر ، فعساه يحلّ القيد عنّي . قال : فلمّا أحضر والطعام امتنعت وقلت : لا آكل ما لم اشفّع في هذا العبد . فقال : إنّ هذا العبد أفقرني وأهلك جميع مالي ! فقلت : ما ذا فعل ؟ فقال : إنّ له صوتا طيّبا ، وإنّي كنت أعيش من ظهور هذه الجمال ، فحمّلها أحمالا ثقالا وكان يحدو بها حتّى قطعت مسيرة ثلاثة أيام في ليلة واحدة من طيب نغمته ، فلما حطَّت أحمالها ماتت كلَّها ، إلَّا هذا الجمل الواحد . ولكن أنت ضيفي فلكرامتك قد وهبته لك . قال : فأحببت أن أسمع صوته ، فلمّا أصبحنا أمره أن يحدو على جمل يستقي الماء من بئر هناك ، فلمّا رفع صوته هام ذلك الجمل وقطع حباله ، ووقعت أنا على وجهي ، فما أظنّ أني سمعت - قطَّ - صوتا أطيب منه . فإذا ، تأثير السماع في القلب محسوس ، ومن لم يحرّكه السماع فهو ناقص مائل عن الاعتدال ، بعيد عن الروحانيّة ، زائد في غلظ الطبع وكثافته على الجمال والطيور ، بل على جميع البهائم ، فإنّ جميعها تتأثّر بالنغمات الموزونة ، ولذلك كانت الطيور تقف على رأس داود عليه السلام لاستماع صوته . إلى أن قال : قال أبو سليمان : السماع لا يجعل في القلب ما ليس فيه ، ولكن يحرّك ما هو فيه . انتهى . [1] وكما أنّ الحروف والكلمات ليست من ذاتيّات الصوت ، فكذلك الحسن والقبح لتخلَّف كلّ منهما عنه ، والذاتيّ لا يتخلَّف ، فقد يتّصف بالحسن ، وقد يتّصف بالقبح ، وقد لا يتّصف بشيء منهما .