والرواية غير معوّل عليها عندنا ، وعلى فرض صحّتها مصروفة الظاهر ، لمخالفتها لقواعد العدل ، فيمكن إرادة التألَّم من العذاب ، أي : يحزن ويتألَّم باطلاعه على هذا الفعل . وأوّلها الشهيد في ( الذكرى ) بأنّ الجاهلية كانوا ينوحون ، ويعدّدون جرائمه كالقتل وشنّ الغارات ، وهم يظنّونها خصالا محمودة ، فهو يعذّب بما يبكون عليه ، قال : ويشكل أنّ ظاهر الحديث المنع عن البكاء بسبب استلزامه عذاب الميّت بحيث ينتفي التعذيب بسبب انتفاء البكاء ، قضيّة للعليّة ، والتعذيب بجرائمه غير منتف بكا عليه أولا ؟ وقيل : كأنّهم كانوا يوصون بالندب والنياحة ، وذلك حمل منهم على المعصية وهو ذنب ، فإذا عمل بوصيّتهم زيدوا عذابا . وردّ : بأنّ ذنب الميت الحمل على الحرام والأمر به ، فلا يختلف عذابه بالامتثال وعدمه ، ولو كان للامتثال أثر لبقي الإشكال . إلى أن قال : ولك أن تقول : إنّ « الباء » بمعنى « مع » أي مع بكاء أهله عليه ، يعني : أنّ الميّت يعذّب بأعماله ، وهم يبكون عليه ، فما ينفعه بكاؤهم ، ويكون زجرا عن البكاء لعدم نفعه [1] انتهى . وفي بعض ما ذكره نظر ، ولعلّ ما أشرنا إليه في تأويل الرواية أظهر ، وفاقا لبعض المحقّقين من أهل النظر ، فتدبّر . وليكن هذا آخر ما أردنا إيراده في هذا المختصر ، وقد سميناه ( بذريعة الاستغناء في تحقيق مسألة الغناء ) . فللَّه الحمد ، وعلى رسوله أفضل التحيّات والثناء .