يرفع فيها رأسه إلى السماء حياء من ربّه [1] . وكذا نياحة داود عليه السّلام فقد كان يبكي ويبكي ، ويحزن ويحزن ، حتّى كانت الجنائز ترفع من مجالس نياحته . وروي عن النبي صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم أنّ داود كان حسن الصوت في النياحة على نفسه في تلاوة الزبور ، حتّى كان يجتمع الإنس والجنّ والوحوش والطير لسماع صوته ، وكان يحمل من مجلسه أربعمائة جنازة [2] . ومنه النياحة على المظلومين من آل محمّد صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ولا سيّما الحسين عليه السّلام وأصحابه الذين بذلوا مهجهم دونه عليه السّلام فقد تواترت الأخبار بالحثّ على هذه النياحة . ومن الثاني : النياحة على فراق المحبوب المحرّم ، وعلى ما فات من زخارف الدنيا . قال الغزالي : والحزن على الأموات من هذا القبيل ، فإنّه تسخّط لقضاء اللَّه وتأسّف على ما لا تدارك له ، فهذا الحزن لمّا كان مذموما كان تحريكه بالنياحة مذموما ، فلذلك ورد النهي الصريح عن النياحة [3] انتهى . وفيه نظر ، فإنّ مطلق الحزن لا يستلزم التسخّط لقضاء اللَّه ، فإنّه قد ينشأ من حرقة القلب قهرا فيتبعه النياحة ، ومن هنا ورد أخبار كثيرة بجواز النوح والبكاء على الموتى ، فقد روى الصدوق رحمه اللَّه في كتاب ( كمال الدين ) عن أبيه عن سعد بن عبد اللَّه ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن ظريف بن ناصح ، عن الحسين بن زيد قال : ماتت ابنة لأبي عبد اللَّه عليه السّلام فناح عليها سنة ، ثم مات له ولد آخر فناح عليه سنة ، ثم مات إسماعيل فجزع عليه جزعا شديدا ، فقطع النوح [4] .
[1] . لم أجد الحديث بلفظه وكأنه منقول بالمعنى . فراجع البحار ، ج 11 . [2] . احياء علوم الدين ، ج 2 ، ص 295 . [3] . المصدر ، ص 301 . [4] . كمال الدين ( ص 73 ) .