التعاون على البر ، فيتعارضان في مادة الاجتماع أي الغناء المعين على البرّ ، فكما يمكن تخصيص عموم الثانية بخصوص الأولى فيحكم بجوازه ، يمكن العكس فيحكم بحرمته ، والمرجع في مثل هذا التعارض المرجّح ، وهو في جانب عموم الثانية ظهورا في الدلالة ، وأكثرية في عدد الرواية ، واعتضادا بدعوى الإجماع كما مرّت إليها الإشارة . وفيه : منع المرجّح لما عرفته من عدم دلالة هذه الأخبار على حرمة مطلق الغناء ، فالكثرة بالعدد لا تصلح مرجحة لما ذكر ، وكذلك الإجماع المنقول مع أنّه معارض بدعوى السيرة على الجواز على أنه مرجّح بالموافقة للكتاب ، غاية الأمر التكافؤ فيرجع إلى الأصل ، وقضيّته الإباحة والجواز . وسادسها : أنّ أدلَّة حرمة الغناء حاكمة على أدلَّة رجحان التعاون ، نظير أدلَّة نفي العسر والحرج والضرر والضرار ، بالنسبة إلى سائر الأدلة ، بمعنى أنّ أدلة الحرمة بمدلولها اللفظي متعرّضة لحال أدلَّة رجحان التعاون ، ورافعة للحكم الثابت بها عن بعض أفراد موضوعها ، ومبيّنة لمقدار مدلولها . وبعبارة أخرى : إنّ موضوع الحكم في أدلة التعاون بعد ملاحظة أدلة الحرمة هو رجحان التعاون بوصف حصوله بالمباح ، فيكون التعاون بالحرام خارجا عن موضوع الحكم فلا تعارض بينهما ، وإن كان فهو في بادي الرأي ، لا في نفس الأمر ، وعند التأمل كما في العام والخاص المطلق ، والمطلق والمقيد . وإلى هذا أشار شيخ فقهائنا المتأخّرين في ( الجواهر ) حيث قال : وليس من تعارض العموم من وجه ، المحتاج إلى ترجيح ، بل فهم أهل العرف كاف فيه نحو العام والخاص والمطلق والمقيّد ، وإلَّا لتحقّق التعارض من وجه ، بين ما دلّ على قضاء حاجة المؤمن مثلا ، والنهي عن اللواط والزنا والكذب وغيرها من المحرمات ، المعلوم بطلانه بضرورة الشرع « أنه لا يطاع من حيث يعصى » [1] انتهى .