فما قيل من أنه لو سلَّم كون الغناء معينا على البكاء ، فكونه معينا على البكاء على شخص معيّن غير مسلَّم [1] . غير مسلَّم . وأمّا الصوت اللهويّ فلا شك في عدم كونه معينا على البكاء على المظلومين عليهم السّلام وإن أوجب مطلق البكاء في بعض الأحوال ، وقد عرفت أنّه لا كلام في حرمته مطلقا ، وأنّه لا يقبل الاستثناء ، بل استعماله في مثل المراثي أشدّ جرما وأكثر إثما . وإلى هذا نظر من قال : إنّ الغناء في القرآن كالزنا في المسجد . وثالثها : أنّ دليل رجحان التعاون على البرّ لا يشمل ما لو كان الإعانة بالحرام ، كما في المقام ، بل تخصيص عموم هذا الدليل بغير الحرام قطعيّ . ودفع بأن حرمة الغناء المعين على البكاء أوّل الكلام ، إذ هي فرع دلالة أخبار الغناء على حرمة مطلقه ، وقد عرفت انتفائها . ورابعها : أنّ مجرد كون الغناء مقدّمة لمباح لا يوجب جوازه ، بل لا بدّ من ملاحظة دليله ، فإن دلّ على الحرمة حكم بها و ( حينئذ ) فلا يصلح لوقوعه مقدّمة شرعا لكونه منهيا عنه ، فلا يكون مقدورا عليه شرعا ، وإلَّا فيحكم بإباحته للأصل ، لا لكونه مقدمة للمباح . وأنت خبير بأنّ الغرض بيان أنّ مقتضى عموم دليل التعاون إباحة كلّ ما يصلح للاستعانة به ، ومن جملته الغناء ، فخروجه موقوف على ثبوت حرمته مطلقا ، فما لم يثبت اكتفينا في الحكم بإباحته بمجرّد كونه مقدّمة لمباح ، ولا ينافي ذلك دلالة الأصل أيضا عليه ، فليتأمّل . وخامسها : أنّ التعارض بين أدلَّة التعاون على البرّ ، وأدلَّة الغناء ، بالعموم والخصوص من وجه ، لاقتضاء الأولى جواز التعاون ولو بالغناء ، والثانية حرمة الغناء وإن حصل به
[1] . القائل : الحاج ملا محمد النراقي ( ره ) في مشارق الأحكام ، ص 159 .