وقد قبلت وصيّته ، والتزمت طريقته ، وأنا إلى الآن مقبل على شأني ، ولم أشتغل بما هو الشأني ، وقد صرفت عنان نفسي عن جمع الأموال ، مع فقد المال وكثرة العيال ، مع أنّه - لو أردت ذلك - لحصل لي أكثر مما حصل لأمثالي من الرجال . وقد علم الأقوام لو أنّ حاتما * أراد ثراء المال كان له وفر ولو لا أنّ تزكية المرء لنفسه قبيحة عند أرباب العقول ، لفصّلت الكلام فيما منّ اللَّه عليّ من الخصائص في الأحوال بما يطول . والقول المجمل في ذلك : إنّي لم أشتغل - من بدو تمييزي قبل بلوغي إلى هذه السنة ( 1319 ) - بما اشتغل به اللاهون الغافلون ، ولم أصرف عمري فيما صرف فيه البطَّالون ، ولم أحبّ المخالطة مع الجهلة ، ولم أركن إلى الظلمة . بل كنت محبّا للاعتزال ، مجتنبا عن المراء والجدال ، وعن القيل والقال ، والجواب والسؤال إلَّا في مسائل الحرام والحلال ، معرضا عن الحقد ، والحسد ، والطمع ، وطول الآمال ، صابرا على البأساء والضرّاء وشدائد الأحوال ، غير جازع من الضنك والضيق والفقر والفاقة وعدم المال . وأرجو من اللَّه المتعال أن لا يحوّل حالي هذه في بقيّة عمري إلَّا إلى أحسن الأحوال . وبالجملة : قد وقفت عمري الشريف ، على التدريس والتأليف والتصنيف ، ولم أكثر بما أصابني من أذى كلّ وضيع وشريف . خليلي جرّبت الزمان وأهله * فلا عهدهم عهد ولا ودّهم ودّ بلاء علينا كوننا بين معشر * ولا فيهم خير ولا منهم بدّ يقول منظَّم هذه القائمة : إلى هنا ينتهي ما ذكره المؤلَّف رحمه اللَّه عن شؤون حياته ثمّ بدأ الحديث عن مؤلفاته ، فقال :