ومنها التغنّي في أيام العيد وإبّان الفرح من قدوم الغائب وولادة الولد : لما تقدّم من روايتي علي بن جعفر ، وربما يستدلّ له بما رواه البخاريّ ومسلم في ( صحيحهما ) عن عائشة أنّ أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدفّفان وتضربان ، والنبيّ صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم متغشّ بثوبه ، فانتهرهما أبو بكر ، فكشف النبيّ صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم عن وجهه ، وقال : « دعهما يا أبا بكر فإنّها أيام عيد » انتهى [1] . وفيه ما ترى ، فإنّه مرويّ من طرق العامّة ، مع أنّه لا دلالة فيه على جواز التغنّي بل على جواز التلهّي بالدفّ ، وحرمته مجمع عليه بيننا ، على الظاهر . سلَّمنا عدم انفكاكه عن التغنّي عادة ، ولكن قد عرفت أنّ الصوت المقترن بالملاهي لا كلام في حرمته مطلقا . ونفي البأس عن الغناء في إحدى الروايتين مقيّد بعدم العصيان به . وفي ثانيتهما بعدم الزمر به [2] . نعم جوّز مخالفونا الدفّ ونحوه من الملاهي مطلقا أو في بعض الأحيان ، ورووا في ذلك روايات من طرقهم ، موضوعة ، قد افتروا بها على رسول اللَّه كذبا . وفي إحياء الغزالي : أن السماع في أيام السرور تأكيدا أو تهييجا له مباح ، إن كان ذلك السرور مباحا ، كالغناء في أيّام العيد ، وفي العرس ، وفي وقت قدوم الغائب ، وفي وقت الوليمة والعقيقة ، وعند ولادة المولود ، وعند ختانه ، وعند حفظه القرآن العزيز ، وكلّ ذلك مباح لأجل إظهار السرور به . وجه جوازه أنّ من الألحان ما يثير الفرح والسرور والطرب ، فكلَّما جاز السرور به جاز إثارة السرور فيه .
[1] . احياء علوم الدين ، ج 2 ، ص 302 - أيضا صحيح مسلم بشرح النووي ، ج 6 ، ص 183 باب صلاة العيدين - أيضا صحيح البخاري بحاشية السندي ، ج 1 ، ص 176 ، باب في العيدين . [2] . الوسائل ، ج 12 ، ص 85 ، حديث 5 .