معرفة أحوال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم وأصحابه ، والتابعين ، واستروح إلى استحسان بعض المتأخّرين ، وكثيرا ما يغلط الناس في هذا ، وكلَّما احتجّ عليهم بالسلف الماضين يحتجّون بالمتأخّرين ، وكان السلف أقرب إلى عهد رسول اللَّه وهديهم أشبه بهدي رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم انتهى . وفي هذا الاستدلال نظر : أمّا أوّلا : فلأنّ أفعال أمثال عثمان وابن عمر وأقوالهم ليست بالمعوّل عليها عندنا . وأمّا ثانيا : فلأنّه لم يعلم أنّ احترازهم كان عن أيّ نوع من الغناء ، بل الظاهر اختصاصه بما كان مقترنا بالملاهي كما يكشف عنه زمّارة الراعي . وأمّا ثالثا : فلأنهم كانوا مواظبين على فعل المستحبّات وترك المكروهات اهتماما بكونهم على سنّة رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ولذا سمّى من تبعهم أنفسهم بأهل السّنة ، وإن اعترف بعضهم بأن هذه التسمية من قبيل التسمية بالضدّ ، فاحترازهم لا يتعيّن كونه للحرمة أو لخصوصية الصوت المطرب . قال الغزالي : وأمّا قول ابن عمر « ألا لا سمع اللَّه لكم » فلا يدلّ على التحريم من حيث إنه غناء ، بل كانوا محرمين ولا يليق بهم الرفث ، وظهر له من مخايلهم أنّ سماعهم لم يكن لوجد وشوق إلى زيارة بيت اللَّه ، بل لمجرّد اللهو ، فأنكر ذلك عليهم لكونه منكرا بالإضافة إلى حالهم وحال الإحرام ، وحكايات الأحوال تكثر فيها وجوه الاحتمال . وأمّا وضع إصبعيه في أذنيه فيعارضه أنه لم يأمر نافعا بذلك ولا أنكر عليه سماعه ، وإنّما فعل ذلك هو لأن ينزّه سمعه في الحال ، وقلبه ، عن صوت ربما يحرّك اللهو ، ويمنعه عن فكر كان فيه أو ذكر هو أولى منه . وكذلك ، فعل رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم مع أنه لم يمنع ابن عمر لا يدلّ أيضا على التحريم ، بل يدل على أن الأولى تركه . ونحن نرى أنّ الأولى تركه في أكثر الأحوال ، بل أكثر مباحات الدنيا الأولى تركها إذا