قرينة على إرادة المتكلَّم خصوص هذا الفرد من النهي عن المطلق ، وإرادته لغيره غير معلومة . فظهر ضعف ما ربما يقال من : أنّ الغناء - وإن كان مطلقا - لا يفيد بنفسه العموم ، وينصرف إلى الفرد الشائع منه ، وهو الصوت اللهويّ ، إلَّا أنّ تعلَّق النهي به يفيد وجوب الاجتناب عن كلّ ما توجد في ضمنه طبيعة الغناء وإن [ لم ] يكن من أفراده الشائعة . فإنّ المطلق إذا لم يكن مصروفا إلى غير الشائع ، فكيف يصرف إليه بمجرد تعلَّق النهي ؟ ولا يعلَّق إلَّا بما أريد به . المقدّمة الرابعة : إذا عرف مراد الشارع ، بل مطلق المتكلَّم ، - ولو بأمارات ظنيّة يعوّل عليها في محاورات العرف - ، حمل اللفظ عليه ، ولو كان من المعاني المجازية له . وإذا جهل المراد وانتفى القرائن حملناه على معناه الحقيقيّ . فلو تعدّد - وكان أحدهما لغويا والآخر عرفيا - فمذهب جماعة تقديم اللغة . ولكنّ الظاهر تقديم العرف للاستقراء ، وقوّة الظنّ بإرادة المعنى العرفي ، فإنّ أكثر خطابات الشرع مطابق للعرف ، كما لا يخفى على المتتبع . ومن هنا نحمل الغناء على معناه العرفي الذي كان متعارفا في تلك الأزمنة وقبلها . بل صريح جماعة القطع بتقديم العرف إذا كان مقدّم الحدوث على زمن صدور الخطاب عن الشارع ، كالقطع بتقديم اللغة إذا كان العرف مستحدثا متأخّرا عن زمن الصدور . وجعلوا محل النزاع في هذه المسألة في ما لا نقطع بتأخّر العرف عن زمن الصدور . والظاهر أنّ الغناء كان متعارف الاستعمال في زمن الجاهليّة أيضا في الصوت اللهويّ ، فلا ينبغي النزاع في حمله على هذا المعنى ، ووجوب تقديمه على المعنى اللغوي أي مطلق الصوت المطرب . وقد كان استعماله في هذا العرف في زمن الأئمّة عليهم السّلام أيضا متعارفا شائعا كما يأتي بيانه .