نام کتاب : دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية نویسنده : الشيخ المنتظري جلد : 1 صفحه : 79
وأمّا المرتبة الثانية فهي أمر اعتباري ، بل المناصب كلّها أمور اعتبارية ليس بإزائها شئ في الخارج ، سواء جعلت من قبل اللّه - تعالى - أو من قبل الأمّة . غاية الأمر ان اعتبار منصب خاص لشخص خاص لا محالة يكون مشروطاً بكونه لائقاً له واجداً للفضائل النفسانية أو الخارجية وإلاّ كان جزافاً . والشروط أمور وصفات خارجية تكوينية . فالنبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مثلا كان واجداً لفضائل ذاتية وكسبية وبلغ من القرب إلى اللّه - تعالى - مقاماً لم يصل اليه ملك مقرب ولا نبي مرسل ، ولكن هذه الفضائل غير مأموريته بتبليغ احكام اللّه - تعالى - أو كونه أولى بالمؤمنين من أنفسهم . هذا . وامّا المرتبة الثالثة فهي خارجية الولاية وعينيتها بلحاظ تحقق آثارها في الخارج ، حيث يتسلط الوالي بقواه وتنقاد له الأمّة وينبعثون عن أوامره ونواهيه طوعاً أو كرهاً . وهذه المرتبة لها وجهتان : وجهة كونها مقاماً وسلطة يتنافس فيها المتنافسون ، ووجهة كونها أمانة من اللّه ومن الناس ولا تستعقب الاّ مسؤولية و كلفة . وإنّما ينظر إليها أولياء اللّه بالوجهة الثانية ، كما في كتاب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى الأشعث عامله على آذربيجان : " ان عملك ليس لك بطعمة ، ولكنه في عنقك أمانة . " [1] وقول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مشيراً إلى نعله : " واللّه لهي أحبّ إليَّ من إِمرتكم ، إِلاّ أن أقيم حقّاً أو ادفع باطلا " [2] ، لايراد به الاّ هذه المرتبة من الولاية . إذ لا يريد ( عليه السلام ) كون النعل أحبّ اليه من علومه وفضائله وكراماته التي بها فاق الأقران وصار لائقاً للخلافة و الولاية ، ولا يريد به المنصب المجعول له في غدير خمّ أيضاً . وإِنّما يريد به السلطة و الإمارة الفعلية التي لا توجب الاّ كلفة ومسؤولية ، وان كان الناس مولعين بها بما هي رياسة ومقام . فالنعل التي بها ترفع حاجاته ولا توجب مسؤولية أفضل عنده وأحبّ من المقام المستعقب للمسؤولية والكلفة إلاّ أن يقيم به حقاً أو يدفع به باطلا ويحصّل به لنفسه قرباً وأجراً .