ويعتبرها كالكشف التام ، بل هي كالاستخارة ، استعلام الرشد والصلاح من الله تعالى ، لأنه أذن بها وضمن هدايتها إلى الرشد والصلاح ، إلا أن هذا الإذن والتضمين من الله تعالى لم يثبت إلا في موارد خاصة مما لم يكن لرفع الجهل والشك والحيرة طريق أو أصل عملي في البين ، فلذا يصح إن قلنا إنها في مواردها دائمة الموافقة للرشد والصلاح كما لا يخفى ، فإنها ليست من الأمارات التي كان اعتبارها وجعلها حجة بغلبة إصابتها الواقع ، وكانت حجيتها بمنزلة تتميم جهة كشفها وتنزيلها منزلة القطع الذي حجيته ذاتية ، بل جعلها الشارع سببا للهداية إلى الرشد وكشف الواقع بعنايته ورعايته الخاصة ، كجعل الشكر سببا لزيادة النعمة أو الدعاء سببا للإجابة ، أو الصدقة سببا لدفع البلاء . وبعبارة أخرى قد أخبر الله تعالى عباده ووعدهم وشرط لهم أنهم إن عملوا بالقرعة في الموارد التي عينها وعرفها لهم يهديهم إلى ما فيه السداد ، فإذا كان موردها الشك في أمر له نفس الأمرية الواقعية يهديهم إلى الواقع وإلا فيهديهم إلى الرشد والسداد . فشأن القرعة ليس شأن الأصول ولا الأمارات العرفية التي أمضاها الشارع ، فلا يقع التعارض بينها وبين القواعد والأصول والأمارات أصلا . هذا تمام الكلام في الاحتمال الأول في المسألة ، وقد ظهر مما ذكرناه بطوله عدم جواز الرجوع إلى القرعة ابتداء دون ما يأتي في بيان سائر الاحتمالات ، كما ظهر لك مورد الرجوع إلى القرعة وإلى قاعدة النصف والله تعالى هو العالم .