نام کتاب : تاريخ الفقه الجعفري نویسنده : هاشم معروف الحسني جلد : 1 صفحه : 242
وتلك ظاهرة غريبة من أبي جعفر المنصور ، لا تنسجم مع سيرته وسياسته ، سياسة البطش وقتل الأبرياء وإراقة الدماء ، من العلويين والمتشيعين لهم ، تلك السياسة التي أنست الناس ظلم الأمويين واستهتارهم بالمقدسات الإسلامية . لقد أراد المنصور أن يصرف أنظار العلماء ورجال الفكر عن سياسته الجائرة ، ويشغلهم عن التفكير بالشؤون العامة بجمع الأحاديث وتدوينها وكتابة الفقه وممارسته ، حتى لا ترتفع أصواتهم بين ملايين البائسين والمحرومين والمشردين من جوره وتعذيبه ، أراد أن يحدد لهم صلاحياتهم ويحد من نشاطهم وتفكيرهم بشؤون الخلافة الإسلامية ، التي انتقلت إليهم من الأمويين ، بعد مجازر دامية ، باسم الحفاظ على المقدسات الإسلامية وانصاف المظلومين والثأر للعلويين . ولم يقتصر التدوين في تلك المراحل التي مر بها ، منذ أن دعا إليه عمر بن عبد العزيز ، على تدوين الحديث ، بل هب العلماء إلى تدوين الفقه وتبويبه ، مرتبا على أبواب الفقه ، من عبادات ومعاملات وغيرهما . لقد تكلم الدكتور محمد يوسف في تاريخ الفقه الإسلامي والأستاذ محمد عجاج الخطيب وغيرهما عن تدوين الفقه ، ونقلوا عن بعض المصادر أنّ كل شيء من التدوين كان قد حصل في العهد المبكر من تاريخ الإسلام ، وأن الرسول أمر بكتابة بعض أحكام الزكاة وبعث بها إلى أمراء البلاد والولاة ، وأعطى عمرو بن حزم ، لما ولاه على اليمن ، أحكاما مكتوبة من الفرائض والصدقات والديات ، كما أعطى عبد الله بن حكيم ووائل بن حجر كتبا فيها أحكام الحيوانات الميتة ، وأحكام الصلاة والصوم والربا والخمر . ونقل ذلك عن كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال ( ج 3 ص 168 ) والمعجم الصغير للطبراني ( ج 3 ص 117 ) . كما ذكر أن أبا بكر كتب كتابا لأنس بن مالك ، حين بعثه على البحرين ، فيه أحكام السائمة من الإبل والغنم ومقدار النصاب في كل واحد من هذين النوعين . وكتب عمر بن الخطاب ، في الموضوع نفسه كتبا وأعطاها إلى عماله ، لجباية الزكاة ، ولم يبد آية ملاحظة حول أنباء هذه الكتب ، مع ان عمر بن الخطاب نفسه هو الذي حارب فكرة
242
نام کتاب : تاريخ الفقه الجعفري نویسنده : هاشم معروف الحسني جلد : 1 صفحه : 242