نام کتاب : تاريخ الفقه الجعفري نویسنده : هاشم معروف الحسني جلد : 1 صفحه : 235
الذين انتشروا في البلاد ، لتعليم الأحكام ، وألفوا حياتها وأساليبها ، في البحث والمحاكمة بين محتملات الأدلة ، ان نهجوا منهجا جديدا في التوصل إلى الأحكام ، فبحثوا عن العلل والأسباب والمصالح والمفاسد ، بطريقة لم تكن معروفة في زمن الصحابة ، ولم تدع الحاجة إليها . وقد أدى هذا الأسلوب إلى اختلاف آرائهم في الفقه ، وكثر الخلاف بينهم في الفروع ، فكان ذلك من أسباب اشتهارهم بالرأي ، بينما اشتهر فقهاء الحجاز بالحديث ، لأن الجو الذي عاشوا فيه ، لم يفرض عليهم أن ينهجوا في البحث عن النصوص طريق التابعين . كما وأن قربهم من عصر الرسول واشتهار أحاديثه بينهم ومعرفتهم الكاملة بأحوال رواتها عنه ، سهل لهم معرفة الصحيح واستفادة الأحكام منها . وفيما سبق أشرنا إلى أن الرأي الذي شاع في عصر التابعين ليس هو غير الإفتاء بما يراه الفقيه ، بعد اليأس عن الدليل ، من كتاب أو سنة صحيحة ، وهو الذي أقرّه الرسول ( ص ) في حديث معاذ بن جبل وامتدحه عليه . وهذا غير القياس ، الذي وضع نواته عمر بن الخطاب ، في وثيقته إلى أبي موسى الأشعري ، واشتهر به الأحناف وأيده المالكية وغيرهم . ولا نعني بذلك أنه لم يكن بين فقهاء التابعين من يتخذ القياس دليلا في الأحكام ، وانما المقصود ان العمل بالرأي أحيانا إذا تعذر على الفقيه أخذ الحكم من الكتاب والسنة ، قد أقرّه الإسلام ما لم يتعارض مع النصوص القرآنية والنبوية ، وليس فيما أقرّه الإسلام إشارة إلى القياس من قريب أو بعيد مع العلم بأنه قد شاع بين بعض الصحابة بعد وفاة الرسول . ومهما كان الحال فقد اشتهر فقهاء الحجاز بالحديث وفقهاء العراق بالرأي ، ولكن ذلك لا يعني أن فقه الحجاز كله مستند إلى الحديث ، وفقه العراق وغيرها مستند إلى الرأي . والشيء الثابت أنه كان حتى بين فقهاء الحجاز من يفتي برأيه أحيانا ، إذا لم تتوفر إليه النصوص من الكتاب أو السنة . قال الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة : « والرأي كان مأخوذا به في المدينة وسائر مدن الحجاز . وقد رأينا الفقهاء السبعة الذين مثلوا الفقه المدني أصدق تمثيل ، كان كبيرهم ابن المسيب ، لا يهاب الفتيا ، حتى لقب بالجريء ، ولا
235
نام کتاب : تاريخ الفقه الجعفري نویسنده : هاشم معروف الحسني جلد : 1 صفحه : 235