ويتحصل من جميع ذلك أنه ليس الوالي والحاكم على المسلمين ( وهو الفقيه ) كالمولى للعبيد ، والمالك بالنسبة إلى المملوك ، بل ولا كالولي على الصغار ، أو الابن مع الابن حتّى يكون داخلًا في قوله « أنت ومالك لأبيك » ، ( مع أنا ذكرنا قبل ذلك أن الأب أيضاً لا يجوز له إلَّا لحاظ مصالح ابنه ، وإن الحديث المعروف حكم أخلاقي يبين وظيفة الكبار من الأولاد في تجاه أبيهم لا أن له حقّ التصرّف المطلق في أموالهم وأنفسهم كيف يشاء ) بل هو كالمتولي في الأوقاف العامّة والخاصّة أو كوكيل إلهي لهم ، يتصرف بما هو مصلحة الموقوف عليهم والوقف ، ومصالح الموكل ، فليس للفقيه التصرّف إلَّا بما فيه مصلحة العباد والبلاد . ويؤيد ذلك كلَّه ما ذكروه في علم الكلام في باب وجوب نصب الإمام بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) - كما ذكره العلَّامة في شرح كلام المحقّق الطوسي - قال : إن الإمام لطف واللطف واجب ، أمّا الصغرى فمعلومة للعقلاء ، إذ العلم الضروري حاصل بأن العقلاء متى كان لهم رئيس يمنعهم عن التغالب والتهاوش ويصدهم عن المعاصي ويعدهم ويحثهم على فعل الطاعات ويبعثهم على التناصف والتعادل ، كانوا إلى الصلاح أقرب ومن الفساد أبعد وهذا أمر ضروري لا يشكّ فيه العاقل [1] . فإذا كان الإمام المعصوم كذلك فما ظنّك بغير المعصوم مع أنه يظهر من غير واحد من الروايات الآخر - كما عرفت سابقاً - أنهم مالكون للأرض وما فيها بل الدنيا ملك لهم ، ومع ذلك لم نرَ منهم في عصر حكومتهم على الناس - عند بسط أيديهم وعند قبضها - إلَّا العمل بما هو خير وصلاح الأمّة ، لا ما هو صلاح لأنفسهم ، فالفقيه أولى بذلك .
[1] شرح تجريد الاعتقاد : ص 284 من طبعة مكتبة المصطفوي .