ومن العجب ، إصرار بعض على كون فعلية الولاية للفقهاء عبر انتخاب الناس ، مع أنه لم يرد في أثر صحيح ، ولا في رواية ضعيفة ، ولا في أي تاريخ من تواريخ أصحابنا . توضيح ذلك : أن الأمر الوحيد الذي يفرق بين الشيعة وأهل السنّة في أمر الخلافة أن الشيعة تعتقد بأن الإمام ( عليه السلام ) لا بدّ أن يكون معصوماً منصوباً من قبل الله بيد النبي ( صلى الله عليه وآله ) أو بتنصيص إمام قبله ، وأهل السنّة معتقدون بأنه ( صلى الله عليه وآله ) لم ينص على أحد ، وعلى الناس انتخاب الإمام والخليفة ، فهذا هو الفارق بين المذهبين ، فاختيار الناس لا دخل له في الخلافة عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عند شيعة أهل البيت لا قليلًا ولا كثيراً . ومن عجيب الكلام ( وما عشت أراك الدهر عجباً ) اجتراء البعض في زماننا بأن نصب علي ( عليه السلام ) بالخلافة في الغدير لم يكن نصباً إلهياً ، بل كان اقتراحاً من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ثمّ أجابه الناس بالبيعة له ( يعني كان للناس أن لا يبايعوه ) مع أن آية التبليغ تنادي بأعلى صوتها بأنه لم يكن لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أيضاً خيرة في هذا الأمر ، فكيف بغيره ، نعوذ بالله من سوء الفهم . وبالجملة ، ما ذكرناه من كون الإمام المعصوم ( عليه السلام ) من قبل الله من ضروريات مذهب الشيعة ، وقد طفحت كتبهم في علم الكلام والحديث والتفسير والتأريخ بذلك فمن أنكره أنكر ضرورياً من ضروريات هذا المذهب . ثمّ يجري هذا الكلام بعينه في ولاة الأمر من غير المعصومين من بعدهم ، فهم منصوبون من قبلهم ، لا من قبل الناس ، مأمورون بأمرهم ، لا بأمر الناس ، فالولاية إنّما هي لله ولمن جعلها له ، فتعينها من العالي لا من الداني . نعم تبقى هنا مسألتان : مسألة « لزوم الفوضى ومسألة « البيعة وموقفها » .