انتخاب الناس ، أو بيعتهم ، أو شبه ذلك ، فهذا أمر ثابت لهم ثبوتاً إلهياً كما هو ظاهر واضح ، وليس فيها من أمر الانتخاب عين ولا أثر . أمّا قوله « فليرضوا به حكماً » معناه وجوب الرضا بحكومتهم ، وهو على خلاف القول بالانتخاب أدل ، بل صريح فيه ، لا سيّما مع تعليله بقوله فإني قد جعلته حاكماً ، فالنصب الإلهي يفرض على الناس الرضا بحكومته . وأمّا قوله « فإن كان كلّ واحد اختار رجلًا من أصحابنا » فهذا إنّما يرجع إلى قاضي التحكيم أو التوكيل في أمر خاصّ ، ولا دخل له بالانتخاب في أمر عام ، لأنه لا معنى لانتخاب كلّ إنسان من يراه صالحاً للحكومة العامّة ، حتّى يكون كلّ منهم حاكماً عاماً ولو كان المنتخب ( بالكسر ) فرداً واحداً ، وإلَّا تعددت الحكَّام بعدد الخلائق ! وأمّا الدليل العقلي المؤيد بسيرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) والولي ( عليه السلام ) فلا يدلّ أيضاً إلَّا على النصب من ناحية الله سبحانه ، أو النصب من جانب النّبي ( صلى الله عليه وآله ) والإمام المعصوم ( عليه السلام ) . أضف إلى ذلك كلَّه أنه لا يرى في روايات أصحابنا وتاريخهم من أمر الانتخاب بالنسبة إلى ولاية الفقهاء عين ولا أثر ، ولو كان ذلك لبان ، وكم تكلموا في الأبواب المختلفة عن ولاية الفقهاء إثباتاً ونفياً ، ولم يتفوه بالانتخاب أحد من الأعاظم وغيرهم ولو بشطر كلمة في ذلك ، ولم يتكلم أحد منهم إلَّا بكون ذلك نصباً إلهياً بعنوان النيابة عنه ( عليه السلام ) ، ولذا شاع في كلماتهم تسميته بنائب الغيبة ، وتقسيمهم لنوابه ( عليه السلام ) إلى النواب الخاصّة وهم أربعة أمجاد ، والنواب العامّة وهم غيرهم ، ومن المعلوم أن النائب سواء كان عاماً أو خاصّاً إنّما يعينه المنوب عنه لا آحاد الناس ، وقد كان للأئمّة المعصومين ( عليهم السلام ) وكلاء منصوبون من قبلهم في كثير من الأزمنة من غير دخل للناس وكذا الحال في وكلائهم العامّين .