وكذا يظهر من بعض الروايات كفاية المحاذاة للمواقيت وأفتى به الأصحاب ، ولكن وقع الكلام في أن المواقيت الخمسة ( مسجد الشجرة والجحفة وقرن المنازل ويلملم والعقيق ) محيطة بالحرم بحيث ينتهي كلّ طريق إلى أحدها ، أو ما يحاذيها أو لا تكون كذلك ، حتّى يقع الكلام في حكم مثل هذا الشخص وأنه هل يجب عليه الإحرام من أدنى الحلّ أو غيرها ، فهذا وإن كان من الموضوعات الخارجية ولكن إدراكها لأكثر العوام مشكل ، فعلى الفقيه بذل الجهد فيه ولو بالرجوع إلى أهل الخبرة ثمّ الفتوى بما تقتضيه الأدلَّة بعد إحراز الموضوع ، إلى غير ذلك ممّا هو كثير . بقي هنا شيء - وهو أنه هل الإفتاء للفقيه من المناصب أو من الأحكام ؟ كلام شيخنا الأعظم صريح أنه من المناصب كالقضاء والولاية ، ولازمه أن يكون موكولًا إلى نصب ولي الأمر ، ولكن لا دليل عليه بل ظاهر الآيات مثل آية الذكر وغيرها والروايات الكثيرة مثل قوله : « فللعوام أن يقلدوه » وغيرها كونه حكماً ، فالجاهل في جميع الحرف والصنائع والمهن يرجع إلى العلماء فيها من دون حاجة إلى نصبهم لهذا المنصب من طريق الحكومة ، وكذلك في أحكام الدين . المنصب الثّاني : القضاء والحكم بين الناس وهذا أيضاً من مناصب الفقيه ووظائفه الواجبة عليه كفاية ، وقد يكون واجباً عينياً ، ولا بأس بأن نشير إلى دليله إجمالًا وإن كان الكلام فيه بالتفصيل سيأتي في كتاب القضاء . فنقول إنه ثابت له عقلًا ونقلًا . أمّا العقل : فلأن وقوع المنازعة والخصومة في المجتمعات البشرية ممّا لا يمكن اجتنابه ما لم تصل إلى مستوى راق من الإيمان والتقوى والثقافة العالية الدينية ، ولا بدّ حينئذ من طريق إلى فصلها ، كي لا يتسع نطاقها وتطيح بالنظام كلَّه ويقع