ومن مصاديق الحكمة وجوب الاعتداد على المرأة المطلَّقة للاحتراز عن اختلاط المياه ، فإنّ هذا الوجوب ثابت أيضاً فيما لم يكن بين الزوجين مواقعة أصلًا ، فليس هناك ماءٌ حتّى يحتمل اختلاط المياه ، لكنه لا يوجب رفع الحكم ، لكون الدليل وارداً مورد الغالب ، فيكون من باب الحكمة لا العلة . وهكذا يتضح أن ظاهر تلك الأحاديث ، موضوعية الأجناس التسعة لا طريقيتها ، وأمّا علَّة انحصار الزكاة في تلك الأشياء فلم تظهر لنا وليس بواجب علينا علمها ، إذ ربّ حكم شرعي ليس لنا سبيل إلى فهم علته وإن يمكن فهم حكمته . نعم ، إن جميع الأحكام الشرعية دائرة مدار المصالح والمفاسد ، فإنّ الله تعالى لا يأمر إلَّا بما فيه مصلحة ولا ينهى إلَّا عمّا فيه مفسدة لكن باب العلم بشخص هذه المصالح والمفاسد بنحو العلَّة التامّة ( دون العلَّة الناقصة أعني الحكمة ) في كثير من الأحكام الشرعية مغلقٌ علينا . إن قلت : هناك أحاديث تدلّ على أنّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) جعل على البرذون زكاة كما رواها محمّد بن مسلم وزرارة عنهما جميعاً ( عليهم السلام ) قالا : وضع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على الخيل العتاق الراعية في كلّ فرس في كلّ عام دينارين وجعل على البَراذِين [1] ديناراً [2] . قلنا : إن التدقيق في أخبار الباب يرشدنا إلى أن ذلك من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كان حكماً حكوميّاً مناسباً لظروفه الخاصّة ، به ولم يكن بياناً لحكم شرعي دائمي ، ولذا صرّح الصادق أو الباقر ( عليهما السلام ) بأنه ليس في شيء من الحيوان زكاة غير هذه الأصناف
[1] براذين على وزن مفاعيل جمع بِرذَوْن بكسر الباء وفتح الذال المعجمة وسكون الواو يطلق على غير العربي من الخيل والبغال من الفصيلة الخيلية . [2] الوسائل : كتاب الزكاة باب 16 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ح 1 .