صدر البحث كان : أنه هل تجوز المضاربة بالنقود الورقية أو لا ؟ المشهور بين الفقهاء اشتراط صحّة المضاربة بوقوعها بالدرهم أو الدينار ، وعليه فلا يصحّ شيء من المضاربات الواقعة في زماننا لعدم وقوعها على الدرهم أو الدينار ، ولكنك بعد الخبرة بما ذكرناه سابقاً تعرف عدم صحّة هذه النظرية ، وذلك لعدم كون الورق المصرفي حوالة إلى الدرهم أو الدينار حتّى يجري عليه حكمهما . هذا وقد أفتى بعض الأعاظم بصحّة المضاربة بكلّ شيء بشرط أن لا يكون عروضاً ، وعليه فتصح المضاربة بكل نقد من النقود الرائجة ديناراً كانت أو ريالًا أو دولاراً أو غيرها . أقول : حتّى لو لم نقل بصحّة هذا القول ، بل قلنا أنه يعتبر في صحّة المضاربة وقوعها بالدرهم أو الدينار ، فلا سبيل لنا في إنكار صحّة المضاربة بالنقود الرائجة ، وذلك لا بما أنها مضاربة شرعية ، بل لأنها عقد مستحدث مشتمل على جميع شرائط الصحّة ، فيشمل قوله تعالى : * ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) * ، وإن لم يسمّ مضاربة لأنه ليس للتسمية دخل في صحّة العقود ، إذ المضاربة ليست موضوعاً لأحكام خاصّة في أخبارنا ، فالملاك في صحّة كلّ عقد هو شمول : « أَوْفُوا » له ، قديماً كان ذاك العقد أو حديثاً ، ولا يخفى أن قوله تعالى : * ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) * قضية حقيقية لا خارجية ، فيشمل جميع العقود الرائجة بين العقلاء حتّى المستحدثة منها . ومن هنا يتضح أنّ ما درج في زماننا من إعطاء شخص نقوداً معينةً لآخر لكي يصرفها في الأمور الإنتاجية ثمّ تقسم المنفعة بينهما ، عقد صحيح شرعاً وإن لم يسمّ مضاربة ، فإن المعروف في صحّة المضاربة اشتراط وقوعها في الأمور التجارية دون الإنتاجية كأحداث المصانع ، ولكن قبول هذا الشرط لا ينتج عدم صحّة تشغيل رؤس الأموال في الأمور الإنتاجية ، وذلك لأنه عقد مستحدث عقلائي مشمول