البعيد شمول الإطلاقات لما نحن فيه ، ولو فرض الشكّ فيها فالأصل هو براءة الطبيب . ومن ذلك يظهر حال ما لو طلب أحد الأبوين ذلك وأذن فيه سقط حقّه فقط دون الآخر ، فهل تكون الدية بكاملها للآخر أو له سهمه فقطر ؟ الظاهر هو الثاني لسقوط سهمه بالإذن ، لا أنّه ممنوع من الميراث حتّى يرثه غيره . ولو شربت الأمّ دواءً فأسقط جنينها ، فهنا انعكس الأمر فكان الطبيب آمراً والأمّ مباشرة ، وجبت الدية عليها لأبيه لكونها المباشر في القتل ، ولو مات أبوه قبل ذلك فالدية للإخوة والأخوات والجدّة والأجداد وهكذا . وكذا الحال فيما لو وصف لها الطبيب دواءً لإسقاط الجنين فشربته أو هي طلبت منه دواءً فأعطاها فشربته فأسقطت جنينها ، كانت هي المباشر في ذلك ، ووجبت عليها الدية . ويتبع الحكم المتقدّم ما لو ابتاع الأب لها دواءً لهذا الغرض فشربته كانت الدية عليها . وأمّا لو أعطاها زوجها دواءً يعلم أنّه يُسقط الجنين وكان قاصداً لإسقاطه ، وزعم أنّه نافع لتقوية الجسم مثلًا فشربته كان القاتل هو الأب دونها لعدم استناد الفعل إليها ، وكذا الحال فيما لو كانت قاصرة العقل . والحاصل : فالمدار في كلّ ذلك على الإسناد العرفي ، فإنّه من الواضح إسناد الفعل إلى المباشر مع وجود السبب ، إلَّا أن يكون المباشر ضعيفاً بأن يكون مغلوباً على أمره مقهوراً على العمل ، أو كان المباشر قاصر العقل بالصبا أو الجنون ، أو كان جاهلًا بالواقع بالمرّة كما تقدّم آنفاً ، فإنّ الفعل في جميع ذلك يسند إلى السبب لقوّته وضعف المباشر . وأمّا لو كان المباشر بالغاً عاقلًا عالماً مختاراً فالفعل يسند إليه دون السبب للصدق العرفي في ذلك ، مضافاً إلى دلالة جملة من الروايات الواردة في أبواب مختلفة : 1 - منها : ما رواه زرارة ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) : في رجل أمر رجلًا بقتل رجل فقتله قال : « يقتل به الذي قتله ، ويحبس الآمر بقتله في الحبس حتّى يموت » [1] .
[1] الوسائل : ج 19 ص 32 ب 13 من قصاص النفس ح 1 ، إلى غير ذلك ممّا ورد في هذا الباب .