المقام مقام الإيجاز . بقي هنا أمور يجب التنبيه عليها : التنبيه الأول : أنّ العناوين الثانوية على قسمين : قسم منها مبني على الضرورات ، فهي تتقدّر بقدرها ولا يجوز أن يتعدى عن موردها - بحسب الزمان والمكان وسائر الخصوصيات - إلى غيرها مثل مسألة جواز أكل الميتة في المخمصة وما يحذو حذوها . وقسم آخر ليس من هذا القبيل ، فقد يبقى مدى الدهور والأعصار ، مثل جواز التشريح في أعصارنا في الجملة ، وجواز إيجاد بعض الشوارع ، والمحافظة على قوانين المرور . ولا بدّ في القسم الأول - أي الضرورات وما يضطرّ إليها - من تعيين حدود الموضوع ، وليس ذلك على عاتق الفقيه ، بل فتواه تكون كلَّية تشمل الموضوع المفروض وجوده . نعم ، قد يتصدّى الفقيه لتطبيق الحكم الاضطراري على موضوعه بما أنّه وليّ أمر المسلمين ويحكم حكماً خاصّاً على موضوع خاص ، ولكن ليس ذلك بما أنّه مقنّن ، بل بما أنّ له ولاية الأمر ، كما هو كذلك في الحكم المعروف من السيد السند العلَّامة الشيرازي - المرجع الديني الأعلى في زمانه - في استعمال التنباك وأنّه بحكم المحاربة لإمام العصر صاحب الزمان ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) ، فالفتوى هنا أنّ كلّ ما يكون سبباً لضعف المسلمين وتقوية شوكة المعتدين فهو حرام من باب أنّه مقدمة الحرام أو إعانة على الإثم ، فهذه هي الفتوى الكلَّية في المسألة ، أما تطبيقها على خصوص التنباك في تلك البرهة من الزمان فهو من باب حكم الفقيه والولاية الإلهية . هذا ، ومن الواضح أنّ الضرورات أمور قسرية استثنائية لا تدوم وإنّما يحتاج إليها في برهة خاصة من الزمان وإن كان قد يتفاوت ذلك طولًا وقصراً . ومن هنا يعلم أنّه لا يمكن بناء أكثر القوانين في زمن طويل على الضرورات فإنّ