ولكن ينبغي الالتفاف إلى أنّ الأحكام الشّرعية من جهة بيان فلسفتها تنقسم إلى أربعة أقسام : 1 - أحكام شرعية لها فلسفة واضحة ، ويمكن اعتبارها من المستقلات العقلية [1] ، كتحريم السرقة ، والكذب ، والغيبة ، وظلم الآخرين ، وغيرها من الأمور التي يمكن للعقل البشري أن يدرك أنّها نوع من الظلم ، وقبح الظلم من المستقلات العقلية . 2 - الأحكام الشّرعية التي لا تعتبر فلسفتها من المستقلات العقلية ، فهي فلسفة غير بيّنة ، إلَّا أنّ القرآن الكريم والروايات هي التي تكفّلت إبداء فلسفتها ، وهذه الأحكام كثيرة ، مثل فلسفة الصلاة والزكاة والصوم . 3 - الأحكام الشّرعية التي ليست فلسفتها من المستقلات العقلية ، وليست من الأحكام التي بيّن القرآن أو الروايات فلسفتها ، ولكن على أثر مرور الزمان وتقدم العلم اتضحت لنا فلسفة وحكمة تشريعها ، مثل فلسفة حرمة أكل لحم الخنزير التي توصل العلم اليوم إلى اكتشاف فلسفة تحريمه . 4 - الأحكام الشرعية التي لم تتضح فلسفتها بأي من الطرق الثّلاثة السّابقة ، مثل عدد ركعات الصلاة ، مقادير سهام الإرث ، نصاب الزكاة ، مقادير الديات وغيرها من الأحكام التي لم نتوصل لحدّ الآن إلى معرفة فلسفتها ، والنّتيجة هي أنّ الأحكام الشرعية أربعة أقسام ، ثلاثة منها يمكن التّعرف على فلسفتها ، ويحقّ لنا البحث فيها ، وأمّا القسم الرابع فلا يمكن الوقوف على فلسفته [2] .
[1] المستقلات العقلية مصطلح يطلق على الأمور البديهية التي يدركها كل عاقل ، ولا يمكن إنكارها ، كقبح الظلم وحسن الإحسان وإعانة الآخرين . [2] وهذه النّظرية هي النّظرية الوسط في هذه المسألة ، وهناك نظريتان أخريان : إحداهما لزمت جانب الإفراط ، والأخرى لزمت جانب التفريط ، فالأولى تقول : إنّ البحث في فلسفة الأحكام ممنوع مطلقاً ! والأخرى تقول : إنّ معرفة الأحكام ممكنة مطلقاً ، وكلا النظريتين خاطئة ، وللأسف فإنّ مثل هذا التفريط والإفراط كثير في النظريات التي تبحث في المسائل العلمية والاجتماعية والثقافية و . وغالباً ما يكون وجود إحدى هاتين الرؤيتين سبباً ورد فعل لظهور النظرية المعاكسة .