وهو الحاصل من المبادي الحسيّة التي تختلف فيها الآراء والأنظار ، فإنّه هو الذي يوجب الاتّهام . وأمّا في موارد الحسّ أو ما يقرب منه فهو قليلٌ جدّاً وبعيدٌ عن الاتّهام . وفي ختام هذا البحث ، نذكر استدلال بعضهم بكلام ابن الجنيد وحاصله على ما حكاه السيّد في الانتصار : وجدت الله قد أوجب للمؤمنين فيما بينهم حقوقاً أبطلها فيما بينهم وبين الكفّار والمرتدين كالمواريث والمناكحة وأكل الذبائح ووجدنا قد اطَّلع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على من كان يبطن الكفر ويظهر الإسلام فكان يعلمهم ولم يبيّن أحوالهم لجميع المؤمنين فيمتنعون عن مناكحتهم وأكل ذبائحهم [1] . فهذا دليلٌ على عدم حجّية علم القاضي . وأجاب عنه السيّد المرتضى في الانتصار بعد نقل مقالته بما حاصله : أنّا لا نسلَّم أنّ الله تعالى اطَّلع نبيّه على أحوال الكفّار والمنافقين وإن استدلّ بقوله تعالى : * ( ولَوْ نَشاءُ لأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ . ) * [2] . فالجواب عنه أنّه إنّما يدلّ على قدرة الله تعالى على ذلك لا على وقوعه ! ثمّ أجاب ثانياً بأنّه : لا مانع من أن يكون حكم تحريم المناكحة والموارثة وشبهها مقصوراً على من أظهر كفره دون من أبطنه . أقول : أمّا الأوّل فهو مبنيٌّ على كون علم النبيّ والأوصياء ( عليهم السلام ) بخفايا الأمور من قبيل العلم الإرادي ( فلو شاؤوا علموا ) لا أنّه من قبيل العلم الفعلي ، وفي هذا كلامٌ في محلَّه ، ليس هنا موضع بحثه .
[1] أشار إليه في الجواهر : ج 40 ص 87 . [2] محمّد : 30 .