ظاهر الأصحاب الاتّفاق على أنّ الإمام ( عليه السلام ) يحكم بعلمه مطلقاً لعصمته المانعة من تطرّق التهمة ، وعلمه المانع من الخلاف . والكلام في غيره من الحكَّام وهنا أقوالٌ أربعةٌ : 1 - وهو الأظهر بينها ، أنّه يحكم بعلمه مطلقاً . 2 - قيل : لا يجوز مطلقاً . 3 - وهو قول ابن إدريس : يجوز في حقوق النّاس من دون حقوق الله . 4 - وهو قول ابن الجنيد : بالعكس في كتابه الأحمدي [1] . وهناك قولٌ آخر نستحسنه وسنشير إلى أدلَّته وهو الأفضل ، وحاصله الفرق بين مبادئ العلم فإنّ مبادئ علم القاضي على ثلاثة أقسام : 1 - ما تكون حسّيةً ، كما إذا رأى الحاكم من يشرب الخمر أو سمع القذف . 2 - ما لا تكون حسيّةً ولكن تكون قريبةً من الحسّ مثل ما ورد في قضاء مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - صلوات الله وسلامه عليه - من أنّه أمر بشقّ ولد تنازعت فيه امرأتان ، كلّ واحدة منهما تدّعي أنّها أُمّه ، فقالت إحداهما : لا تشقّه يا أمير المؤمنين وأعطه الأخرى [2] فعلم ( عليه السلام ) أنها أُمّه ، وكذلك ما حكي من أمره ( عليه السلام ) قنبر بضرب عنق العبد عند ما تنازع رجلين ، كلٌّ منهما يدّعي أنّه المولى والآخر عبده ، فلمّا رأى أنّ أحدهما نحّى عنقه مخافة ضربه ، علم أنّه العبد [3] . إلى غير ذلك ممّا ورد مشابهاً لهذه الأحداث فإنّ المستند في جميع ذلك هو العلم الحاصل من المبادي القريبة من الحسّ .
[1] المسالك : ج 2 ص 359 ونسب في الإيضاح : ج 2 ص 313 القول الثالث إلى ابن إدريس كما هنا ، ولكن عبارة الحلَّي في السرائر تشير إلى القول الأوّل حيث قال : « عندنا للحاكم أن يقضي بعلمه في جميع الأشياء » . ( السرائر ، كما في سلسلة الينابيع الفقهية : ج 11 ص 251 ) . [2] لاحظ الوسائل : ج 18 ص 212 باب 21 من أبواب كيفية الحكم ، ح 11 . [3] انظر الوسائل : ج 18 ب 21 من أبواب كيفية الحكم ح 4 و 9 .