وبعبارة أخرى : لعلّ عدم سقوط الهدي في جميع الموارد يمكن أن يكون دليلا على أنّه إذا لم يمكن الهدي في منى وجب إتيانه في محلّ آخر إلَّا إذا لم يكن واجداً للثمن ، فيأتي ببدله وهو الصيام . إن قيل : إتيان الهدي بالقيدين المذكورين ( وقوع الذبح في منى وصرف لحوم الهدي ) معاً متعذّر غالباً في الظروف الحالية ، فلا بدّ من ترك أحدهما والإتيان بالآخر ، فإمّا أن يأتي بالهدي في منى مع عدم صرف لحومها ، أو يترك الهدي في منى ويأتي به في خارجه ، مع صرف اللحوم في مصارفها وترجيح أحد القيدين على الآخر محتاج إلى دليل ، ولا دليل على تقديم الصورة الثانية على الصورة الأولى . قلنا : أوّلا : جميع المذابح في يومنا هذا خارجة عن منى ، فوقوع الذبح في منى أيضاً متعذّر ، وثانياً : ليس القيدان على حدّ سواء ، فإنّ صرف اللحوم في مصارفها من أركان الهدي في نظر العرف وأهل الشرع ، ومن البعيد جداً أن يكون لمجرّد إراقة الدم موضوعيّة ، سيّما إذا أدّى ذلك إلى الإسراف أو التبذير الحرام في رأي الشارع المقدّس ، وسيأتي شرحه في المباحث اللاحقة . وحينئذ فإنّ ترجيح أحد القيدين على الآخر - أي إيقاع الهدي خارج منى وصرف اللحوم في مصارفها - ليس من قبيل الترجيح بلا مرجّح . وممّا يدلّ على ذلك ( دلالةً قويّةً ) ما ورد بطريقين مختلفين في أبواب الذبح عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن آبائه عن جدّهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنّه قال : « إنّما جعل هذا الأضحى لتشبع مساكينكم من اللحم فأطعموهم » . [1] وإذا تأملت في هذه الرواية علمت أنّ الأضاحي التي تؤتى بها في الحج حالياً ( ولا تصرف لإطعام الفقراء وإشباعهم ) خارجة عن نطاق أوامر الشرع !
[1] الوسائل : الباب 60 من أبواب الذبح ، ح 10 و 4 .