فقد قام - هذا الفقيه - على ساقيه ، مشمرا عن ساعديه ، ومتمثلا بقول علي عليه السلام : " أنظر إلى ما قال ولا تنظر إلى من قال " ، ويقول الجاحظ : " ما على الناس شر أشر من قولهم : ما ترك الأول للآخر شيئا " [1] ، وبكلام آخرين مما يهيج بعزيمة الإنسان نحو التحقيق ، فقال : إن طريق الحق عنده : " إما كتاب الله سبحانه أو سنة رسوله صلى الله عليه وآله المتواترة المتفق عليها ، أو الإجماع ، أو العقل ، فإذا فقدت الثلاثة فالمعتمد في المسائل الشرعية عند المحققين الباحثين عن مأخذ الشريعة : التمسك بدليل العقل فيها ، فإنها مبقاة عليه ، وموكولة إليه . . . " [2] . ثم قال في نهاية المطاف : " فعلى الأدلة المتقدمة أعمل ، وبها آخذ وأفتي وأدين الله تعالى ، ولا ألتفت إلى سواد مسطور ، وقول بعيد عن الحق مهجور ، ولا أقلد إلا الدليل الواضح ، والبرهان اللائح ، ولا أعرج إلى أخبار الآحاد . . . " [3] . وابن إدريس وإن أعطى زخما جديدا للحركة الاجتهادية ، لكنه لم تدم طريقته ، لأنه كان يرفض العمل بالخبر الواحد غير المحفوف بالقرينة كما كان يرفضه الشيخ المفيد والسيد المرتضى قدس سرهما من قبله ، وسديد الدين الحمصي وابن زهرة قدس سرهما من معاصريه ، فهؤلاء كلهم ما تمكنوا من تثبيت طريقتهم وفي الفقه ، بل كان النجاح للطريقة المعاكسة التي اتبعها الشيخ الطوسي قدس سره ومن تبعه ، وهي الاعتماد على خبر الواحد المعتبر وإن لم يكن محفوفا بالقرينة ، ولا زالت هذه الطريقة هي المتبعة إلى اليوم . ومهما يكن فقد جاء بعد ابن إدريس الحلي قدس سره دور المحقق الحلي قدس سره المتوفى ( 676 ) فكان له الدور الكبير في إحياء الاجتهاد على طريقة الشيخ ، والاعتماد