العوض ، فللعامل التبرع حينئذ والعمل بإجارة نفسه أو الجعالة من هذا الغير في صورة اقدامه أو العمل بقصد الأجرة حتى يستحق أجرة المثل في صورة عدم اقدامه ، والظاهر أنّ مجرد الإيجاب على العمل النافع للغير ظاهر في إبقاء العمل على طبعه من الاحترام لا أقل من الشك ، فيكون المرجع عمومات احترام عمل المسلم ، فلا يحكم بسلب الاحترام حتى يثبت بالدليل بأن دلّ الدليل على أنّ الشارع ألقى جهة مالكية العامل وجهة اضافة العمل إليه ، وإنّما لاحظ جهة كون العمل راجعا إلى نفسه من حيث كون الشارع مالكا لنفس العامل وجوارحه ، فيكون عمله عملا له بهذه الآلة فليس للعامل في هذه الملاحظة إلَّا صرف الآلية بخلاف القسم الأوّل ، فإنّ فيه لوحظ العامل على وجه الاستقلال ، وأنّه صاحب العمل . وهذان القسمان يشاهدان بالوجدان في أوامر الموالي الظاهرية لعبيدهم ، ألا ترى أنّك قد تبعث خادمك ليكنس باب دار صديقك وتلاحظ في ذلك كون هذا مراعاة وخدمة واصلة من نفسك إلى الصديق ، غاية الأمر انّ الخادم آلة في البين فلو أخذ الخادم الأجرة أو الجعل من الصديق كان أكلا بالباطل لعدم احترام عمله ، وقد يوجب على الخادم أن يعمل للغير عملا ويجعل الاختيار بيده إن شاء عمله تبرعا وإن شاء عمله مع أخذ الأجرة من ذلك ، فحينئذ وإن كان الخادم ملزما على أصل العمل لكن لم يسلب هذه الملزمية احترام العمل ، ومن هذا القبيل في الشرعيات الصناعات التي يجب على العارف بها كفاية مع وجود غيره وعينا مع عدمه فإنّ الإجماع والسيرة قائمان على جواز أخذ الأجرة عليها في كلتا الحالتين . ومن هنا يظهر أنّ كون العمل النافع للغير متعلَّق حق لهذا الغير لا يوجب اعتبار مجانيته ، بل يلائم مع اعتبار محترميته ولهذا لو صرّح بالحقيّة وجواز أخذ العوض لم يكن تناقضا ، وعلى هذا فالأصل في كل واجب جواز الإجارة والجعالة