وأما الوجه الثالث : الذي ذكره المحقق الإيرواني ( رحمه الله ) ، فتحقيق الحال فيه بنحو يتضح الاشكال فيه يتوقف قبل كل شئ على معرفة مفهوم الوفاء والمراد به في الآية الكريمة . فنقول : ذهب المحقق الإيرواني ( رحمه الله ) : إلى أن معنى الوفاء هو القيام بما التزم به قياما خارجيا . وذهب المحقق الأصفهاني ( رحمه الله ) : إلى أن معنى الوفاء هو الاتمام ، والوافي بمعنى التام . ولكن لا يمكن الالتزام بكلا هذين المعنيين : أما الأول : فلأنه يقال : درهم وافي ، وكتاب وافي ، واستوفى دينه ، وفي كل ذلك لا معنى لتقدير القيام بما التزم به قياما خارجيا ، إذ الدرهم لم يصدر منه عمل وهكذا الكتاب ، وليس في الاستيفاء قيام للمستوفي بما التزم به . وبملاحظة موارد استعمال هذه الكلمة باشتقاقاتها المتنوعة يتضح بطلان هذا المذهب جيدا . وأما الثاني : فلأنه وإن أمكن إرادته من الدرهم الوافي ومن مثل * ( وأوفوا الكيل والميزان ) * [1] إذ يمكن أن يراد الدرهم التام ، وأتموا الكيل والميزان ، لكن لا يمكن إرادته من مثل : * ( أوف به ) * - كما ورد في الآية الكريمة - إذ لا معنى لأن يراد أتموا بالعقود من الآية ، وأتم به من المثال . والذي نستطيع أن نجزم به في المقام هو أن للوفاء مفهوما يساوق عدم التجاوز عن الشئ ويلازمه لكن لا مطلق عدم التجاوز ، إذ لا يقال عن امتثال الواجب إنه وفاء به مع أنه لم يتجاوزه ، بل عدم التجاوز في موارد يتحقق الالتزام والبناء على العمل ولو كان ذلك أمرا تقديريا ارتكازيا ، كما في موارد استعمال : " وافى زيد القوم " إذا سبق إن كان هناك عهد أو بناء ارتكازي على مروره على القوم . ونقصد بما ذكرنا أنه لا يعتبر في حقيقة الوفاء الالتزام الشخصي ، بل ما يعمه ويعم البناء النوعي على أن يتحقق الشئ بالنحو الخاص . ومن هذا الباب صدق