المنحرفين في العقيدة والسلوك يرون أنفسهم مصلحين . وقد ورد في التأريخ ما يشير إلى اعتقاد كثير من الذين شاركوا في قتل الإمام الحسين عليه السلام وارتكبوا تلك الجريمة النكراء وذلك الظلم والفساد العظيم كانوا يزعمون بأنهم مصلحون ، ففي الحديث : ( كلّ يتقرب إلى اللَّه بسفك دمه ) [1] ، وعند ما أراد عمر بن سعد أن يبدأ القتال نادى بأعلى صوته : « يا خيل اللَّه اركبي وبالجنة أبشري » ، ثم قال في نهاية المعركة : « احرقوا بيوت الظالمين » . ومن قبل قال فرعون لقومه عن موسى عليه السلام : * ( إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسادَ ) * [2] ، يعني أن موسى عليه السلام هو الذي يبدّل الدين ويظهر الفساد خلافا للواقع حيث كان فرعون هو مصدر الفساد ومن كل الأبعاد . وفي آية أخرى : * ( وإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا واشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ الله ولا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) * [3] ، فقد جبلت النفوس الطاغية على الفساد والإفساد خاصة إذا ما بلغت منصبا عاليا ، كما قال سبحانه : * ( وإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الإِنْسانِ أَعْرَضَ ونَأى بِجانِبِهِ وإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤوساً ) * [4] ، فلا يأخذ بالوسط فهو في حالة غير مستوية إما إفراط أو تفريط . ولا يخفى أن بعض المواد الملوّثة لا تختص بالإنسان تكوينا بل على
[1] اللهوف في قتل الطفوف لابن طاوس ، وفي بحار الأنوار : ج 22 ص 274 و ج 44 ص 298 ، ( كل يتقرب إلى اللَّه عزّ وجل بدمه ) . [2] سورة غافر : الآية 26 . [3] سورة البقرة : الآية 60 . [4] سورة الإسراء : الآية 83 .