وواسطة بين العالمين وهذا يؤيد ما قاله طائفة من أساطين الحكماء من ان في الوجود عالماً مقدارياً غير العالم الحسي هو واسطة بين عالم المجردات وعالم الماديات ليس في تلك اللطافة ولا في هذه الكثافة فيه ما للأجسام والأعراض من الحركات والسكنات والأصوات والطعوم والروائح وغيرها ومثل قائمة بذواتها معلقة لا في مادة ، وهو عالم عظيم الفسحة ، وسكانه على طبقات متفاوتة في اللطافة والكثافة ، وقبح الصورة وحسنها ، ولا بد انها المثالية جميع الحواس الظاهرة والباطنة فيتنعمون ويتألمون باللذات والآلام النفسانية والجسمانية وقد نسب العلاّمة [1] في شرح حكمة الاشراق القول بوجود هذا العالم إلى الأنبياء والأولياء والمتألهين من الحكماء وهو وان لم يقم على وجوده شيء من البراهين العقلية لكنه قد تأيد بالظواهر النقلية وعرفه المتألهون بمجاهداتهم الذوقية وتحققوه بمشاهداتهم الكشفية وأنت تعلم ان أرباب الأرصاد الروحانية أعلى قدراً وارفع شاناً من أصحاب الأرصاد الفلكية الجسمانية ، فكما انك تصدق هؤلاء فيما يلقونه إليك من خفايا الهيئات الفلكية ، فحقيق ان تصدق أولئك أيضاً فيما يتلونه عليك من خبايا العوالم الملكية انتهى وبهذا انتهى كتابه ( قده ) وضاعف أجره . وقد أحسن بهذا البيان غاية الإحسان ولكن يؤسفني أشد الأسف ان
[1] قطب الدين محمود بن مسعود الشيرازي الكازروني الشافعي الملقب عند العامة ب ( العلاّمة ) تلميذ الإمام الخواجة نصير الدين الطوسي ( قده ) له مؤلفات كثيرة شهيرة كان مولده بشيراز واستوطن بتبريز وتوفى بها سنة ( 710 ) ه ودفن بقرب القاضي البيضاوي .