بعضها فضلاً عن كلها لأحتجنا إلى مؤلف مستقل لا نستطيع القيام به ، وقد وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ، ولكن ليعلم ان الأسرار والمصالح التي في الحج ، بل وفي كل عبادة ، نوعان خاصة وعامة ، اما الخاصة فهي الأسرار التي يتوصل إليها السالكون والعلماء الراسخون ، والعرفاء الشامخون ولا تنكشف أستارها ، وكنوزها لعامة للناس ، بل ولا يتصورها بلمح الخيال أحد منهم واما العمة فهي الواضحة المكشوفة التي يستطيع كل متفكر ومتدبر ان يعرفها ويتوصل إليها وأعظمها وأهمها وأجلى المصالح والأهداف التي يرمي إليها ويتطلبها على الظاهر المكشوف والتي يدركها كل ذي شعور هي الناحية الاجتماعية ، ومن المعلوم ان الإسلام دين اجتماعي وقد أعطى للنواحي الاجتماعية أعظم الأهمية فشرّع صلاة الجماعة في مسجد المحلة كلّ يوم ثلاث مرات أو خمس وصلاة الجمعة في المسجد كل أسبوع وصلاة العيدين لعموم أهل كل بلد وضواحيها كل سنة مرتين ولم يكتف بذلك كله حتى دعي إلى مؤتمر عام بجميع أهل الحجى ، والثروة ، والطبقة الراقية ، مالاً وعقلاً من المسلمين المتفرقين في أقطار الأرض الشاسعة في صعيد واحد ، ليتعارفوا أولاً فإذا تعارفوا تآلفوا وإذا تآلفوا تكاتفوا وصار كل واحد منهم قوة للآخر يتفقد شؤونه ، ويشاركه في سرّائه وضرائه ، ونعيمه وشقائه ، فتكون من ذلك للمسلمين قوة هائلة ، لا تقاومها كل قوة في العالم ، اذكر إنّي عام ( 1330 ) ه أعني قبل إحدى وأربعين سنة لما تشرفت للحج اجتمعت على ربوة ( 1 ) مساء حول مسجد
( 1 ) الربوة المكان المرتفع بضم الراء قال الفيومي وهو الأكثر والفتح لغة بني تميم والكسر لغة سميت ربوة لأنها ربت فعلت والجمع ربى مثل مدية ومدى .