وبعضها لا يدرك العقل حسنها وقبحها حتّى بالاقتضاء ، وهي العبادات وبعض الأشياء ، فإنّ حسنها أو قبحها منوط بالأمر والنهي . فالعدليّة إذن لا تدّعي أنّ العقل يدرك حسن جميع الأشياء أو قبحها بحيث لا يشذّ شيء من ذلك [1] . الثالث : في نقل كلام جملة من الأعلام : قال الفاضل القوشجي : « اختلفوا في حسن الأشياء وقبحها هل أنّهما عقليّان - بمعنى أنّ الحاكم هو العقل - أم لا ؟ فذهب المعتزلة إلى أنّ الحاكم بهما هو العقل ، والفعل حسن أو قبيح في نفسه ; إمّا لذاته ، أو لصفة لازمة له ، وإمّا لوجوه واعتبارات على اختلاف مذاهبهم ، والشرع كاشف ومبيّن للحسن والقبح الثابتين له على أحد الأنحاء الثلاثة ، وليس له أن يعكس القضيّة من عند نفسه بأن يحسّن ما قبّحه ويقبّح ما حسّنه ، نعم إذا اختلف حال الفعل في الحسن والقبح بالقياس إلى الأزمان أو الأشخاص أو الأحوال ، كان له أن يكشف عمّا تغيّر الفعل من حسنه أو قبحه في نفسه . وقالت الأشاعرة : لا حكم للعقل في حسن الأشياء وقبحها ، وليس الحسن والقبح عائداً إلى أمر حقيقي حاصل في الفعل قبل ورود الشرع يكشف عنه الشرع كما زعمه المعتزلة ، بل الشرع هو المثبت والمبيّن له ، فلا حسن ولا قبح للأفعال قبل ورود الشرع ، ولو عكس الشارع القضيّة فحسّن ما قبّحه وقبّح ما حسّنه لم يكن ممتنعاً ، وانقلب الأمر فصار القبيح حسناً والحسن قبيحاً ، كما في النَّسخ من الحرمة إلى الوجوب ومن الوجوب إلى