الشرعيان مجهولين في عهد الصحابة ، ومن بعدهم ، مع تعلق الحقوق الشرعية بهما في الزكاة ، والأنكحة والحدود ، وغيرها ، كما ذكرناه . والحق ، انهما كانا معلومي المقدار في ذلك العصر ، لجريان الاحكام يومئذ بما يتعلق بهما من الحقوق ، وكان مقدارهما غير مشخص في الخارج ، وانما كان متعارفا بينهم بالحكم الشرعي ، المتقرر في مقدارهما ووزنهما حتى استفحلت الدولة الاسلامية ، وعظمت أحوالها : ودعت الحال إلى تشخيصهما في المقدار ، والوزن ، كما هو عند الشرع ليستريحوا من كلفة التقدير [1] ، وقارن ذلك أيام عبد الملك ، فشخص مقدارهما وعينهما في الخارج ، كما هو في الذهن ، ونقش عليهما السكة ، باسمه ، وتاريخه ، أثر الشهادتين الايمانيتين ، وطرح النقود الجاهلية رأسا ، حتى خلصت ، ونقشت [2] عليهما سكته ، وتلاشى وجودهما ، وهذا هو الحق الذي لا محيد عنه ، . ثم بعد ذلك وقع اختيار أهل السكة في الدولة على مخالفة المقدار الشرعي في الدينار والدرهم ، واختلفت في تلك الأقطار ، والآفاق ، ورجع الناس إلى تصور مقاديرهما الشرعية ، ذهنا ، كما كان في الصدر الأول ، وصار أهل كل أفق يستخرجون الحقوق الشرعية من سكتهم بمعرفة النسبة التي بينها وبين مقاديرها الشرعية . واما وزن الدينار . باثنتين وسبعين حبة ، من الشعير الوسط ، فهو الذي نقله المحققون ، وعليه الاجماع ، إلا ابن حزم ، فإنه خالف في ذلك ، وزعم أنه أربع وثمانون حبة ، نقل ذلك عنه القاضي عبد الحق ، ورده المحققون ، وعدوه وهما ، أو غلطا وهو الصحيح [3] وقال مصطفى الذهبي الشافعي : في رسالة تحرير الدرهم والمثقال وإنما
[1] في بعض النسخ ( النقدين ) [2] ( وفي بعض النسخ ونقش ) [3] مقدمة ابن خلدون ص 218 - 220 والنقود العربية ص 107 - 109