قتل هارون الرشيد جعفرا صير السكك إلى السندي ، فضرب الدرهم ، على مقدار الدنانير ، وكان سبيل الدنانير في جميع ما تقدم ذكره سبيل الدراهم ، وكان خلاص السندي جيدا ، أشد الناس خلاصا للذهب والفضة . فلما كان شهر رجب سنة 192 نقصت الدراهم الهاشمية نصف حبة ، وما زال الأمر في ذلك كله ، عصرا يجوز جواز المثاقيل ، ثم ردت إلى وزنها حتى كان أيام الأمين محمد بن هارون الرشيد فصير دور الضرب ، إلى العباس بن الفضل بن الربيع ، فنقش في السكة بأعلى السطر ( ربي الله ) ، ومن أسفلها ( العباس بن الفضل ) . فلما عهد الأمين إلى ابنه موسى ولقبه ( الناطق بالحق المظفر بالله ، ) ضرب الدنانير والدراهم باسمه ، وجعل زنة كل واحد عشرة ونقش عليه . كل عز ومفخر * فلموسى المظفر ملك خص ذكره * في الكتاب المسطر فلما قتل الأمين ، واجتمع الامر لعبد الله المأمون ، لم يجد أحدا ينتقش الدراهم ، فنقشت بالمخراط [1] كما تنقش الخواتم [2] وما برحت النقود على ما ذكر ، أيام المأمون ، والمعتصم ، والواثق ، والمتوكل ، فلما قتل المتوكل وتغلب الموالي من الأتراك ، وتناثر سلك الخلافة ، وبقيت الدولة ( 18 ) العباسية في الترف ، وقوي عامل كل جهة على ما يليه ، وكثرت النفقات ، وقلت المجابي ، بتغلب الولاة على الأطراف ، وحدثت بدع كثيرة من حينئذ ، ومن جملتها ، غش الدراهم . ويقال ان أول من غش الدراهم وضربها زيوفا عبيد الله بن زياد حين فر من البصرة في سنة 64 من الهجرة ، ثم فشت في الأمصار أيام دولة العجم من بني بويه وبني سلجوق . ) ( 3 )
[1] المخراط : آلة تسوى بها الخواتم وما أشبهها . [2] في الأصل المنسوخ : كما يتنقش الخواتيم . ( 3 ) النقود العربية ص 34 - 51 ، بمنتها ، وشطرا معتدا به من حواشيها .