والقطع في الأمور الاعتقادية استناداً إلى الأدلة القاطعة ، والبراهين العقلية الساطعة ، ولا يكفي الظن ولا التقليد ، فيما يرتبط بمعرفة الله سبحانه ، والاعتقاد بقدرته ، وعدله ، وحكمته ، وغير ذلك من صفاته ، وبنبوة أنبيائه ، وإمامة أوليائه ، والحشر والنشر ، والدين والقرآن . . كما وأفهم هذا الإنسان أنه هو المسؤول عن تصرفاته ، ولسوف يحاسب على كل صغيرة وكبيرة ، من قبل أعرف العارفين ، وأسرع الحاسبين . . وأنه لو نجا من العقاب على المخالفة في الدنيا ، فلن ينجو منه في الآخرة . . وبملاحظة ذلك كله . . فإن عقله يلزمه بمحاسبة نفسه ، ومراقبة تصرفاتها ، ومنعها من ارتكاب أية مخالفة . . فيصير الإنسان نفسه رقيباً على نفسه ، وحسيباً لها . . وطبيعي أن تكون الرقابة الداخلية أكثر دقة وفعالية من أية رقابة تكون من الخارج ، لأن الإنسان أكثر إشفاقاً على نفسه ، وحباً لها ، واهتماماً في الحفاظ عليها ، وإبعادها عن مصادر الضرر والعناء ، والشقاء والبلاء . كما أنه أحرص الناس على جلب المنافع لها ، وتحقيق ما تطمح إليه ، وما تصبو للحصول عليه . وفيما يرتبط بالموضوع الذي نحن بصدده ، فإن الإسلام قد جعل الشؤون المالية للإنسان المسلم خاضعة لأحكام شرعية يترتب عليها الثواب والعقاب ، فحرم عليه الغش ، واعتبره خروجاً عن جماعة المسلمين : « من غشنا فليس منا » [1] ، ونهاه عن بخس المكيال والميزان ، وعن غبن المسترسل ، وغير
[1] الخلاف ج 6 ص 113 والمغني ج 4 ص 246 وصحيح مسلم ج 1 ص 99 ح 164 .