حجة قطعا ، بل أولى من فهم المتأخرين بمراتب شتى ، من حيث أن عهدهم في غاية القرب ، بل في الحقيقة معاصرون ، ومن حيث إنه ما خلط أذهانهم الاجتهادات والشبهات التي خلط أذهان المتأخرين ، والشاهد يرى ما لا يراه الغائب . ولا شك في أن مراد هؤلاء من الخمر المعنى المعهود ، لأنه قال أولا : باب ما يتخذ منه الخمر ، وأتى بما يدل على أن الخمر من خمسة ، ثم قال : باب تحريم أصل الخمر [1] ، وأتى بتلك الأخبار ، وفي بعضها التصريح بالسكر . وأما الصدوق ، فلم يذكر في " الفقيه " ، مع أنه في : " من لا يحضره الفقيه " لم يذكر في باب الأكل والشرب والباب المتقدم عليه حكاية حرمة العصير أصلا ، ولو كان حرمته عنده من غير جهة السكر لذكره هناك ، مع أنه لم يذكر هناك ، ولا في موضع من المواضع سوى باب حد شرب الخمر ، حيث قال : ( قال أبي في رسالته إلي : إعلم أن أصل الخمر من الكرم ، إذا أصابته النار أو غلا من غير أن تمسه [ النار ] فيصير أعلاه أسفله فهو خمر ، فلا يحل شربه إلا أن يذهب ثلثاه ) ، ثم أتى بعبارة أخرى صريحة في أن المراد الخمر المعهود ، ثم قال : ( ولها خمسة أسامي : العصير من الكرم . . . إلى آخره ) [2] . فظهر أن فهمه ( رحمه الله ) على طبق فهم الكليني ( رحمه الله ) ، وفهم الكليني على طبق فهمه ، وهما كانا معاصرين ، يصلان إلى خدمة الصاحب ( عليه السلام ) ، سيما أن ولده الصدوق أيضا كان فهمه موافقا لفهمهما ، لما ذكرنا ، ولما ذكره في أول كتابه [3] ، وما عهد من مواضع ذكر رسالة أبيه ، من حيث أنه يجعله نفس فتوى نفسه ، كما لا
[1] الكافي : 6 / 392 - 393 . [2] من لا يحضره الفقيه : 4 / 40 . [3] لاحظ ! من لا يحضره الفقيه : 1 / 5 .