والحاضرون في مجلس التهديدات والتخويفات - كانوا يفهمون اختصاص الربا بخصوص البيع أو القرض ، وعدم التعدي إلى غيرهما من المعاملات ، فلم كان المطيع يرفع يده بالمرة ، والعاصي يلقي بيده إلى التهلكة وخزي الدنيا والآخرة ، مع أن غرضهما لم يكن إلا زيادة المال وتحصيل المنفعة ؟ ! وليس في هذا الغرض تفاوت أصلا وبالمرة بين البيع والقرض ، وبين غيرهما مثل الصلح والهبة ، والمسائل الشرعية كلها مبنية على انسداد طريق وانفتاح طريق ، ولم يسد أحد الطريق المفتوح بسبب انسداد طريق آخر في تلك المسائل ، فكيف في هذه المسألة ؟ ! مع ما قد عرفت [1] من شدة مشقة الترك وإلقاء النفس إلى التهلكة ، ولا يرتكب السفهاء والبلهاء مثل ذلك ، فضلا عن العقلاء . مع أن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) كان رحمة للعالمين ، عزيز عليه مشقة أمته ، حريص عليهم ، بالمؤمنين رؤوف رحيم [2] . مع أنه كان مبعوثا لتبليغ أحكام الشرع وتكميل دينه المتين في الخلق ، فلم ما بين وما أمرهم بأن يبدلوا لفظا بلفظ ويستريحوا من شر الدنيا والآخرة ، مع بقاء غرضهم بعينه من دون تفاوت أصلا ؟ ! فكان اللازم عليه ( صلى الله عليه وآله ) أن يبلغ ويبالغ ولا يقنع ، ولا يتركهم في مضائقهم الجارية ، بل المشعرة بعدم المبالاة بالدين ، والاستخفاف المشير إلى الكفر ، لأنه بلا تفاوت أصلا بفعل الحرام ، بل ربما كانت معاملاتهم باطلة من جهة سفاهتهم . ولو كانوا تركوا الطريق الممنوع ، وأقبلوا إلى الطريق المفتوح ، وهجموا إلى
[1] في ب : ( مع أنك عرفت ) ، وفي ج : ( مع ما عرفت ) . [2] إشارة إلى الآية : 128 من سورة التوبة ( 9 ) .