أن يجعلوه شرابا آخر يدخلون فيه أدوية أخر ومغيرات ومشددات . فعلى هذا القول ، لا مانع من أن يكون بالغليان والنشيش ما يحدث فيه الدرجة الضعيفة من السكر ، يعني شيئا ضعيفا من أثره وإن لم يكن يسمى في العرف خمرا ولم يجعل داخلا في جنسه ، ويكون الشارع حرم هذا لكونه درجة من درجات السكر ومرتبة من مراتبه وإن كانت ضعيفة غاية الضعف بحيث لا يحس به إلا الحذاق الماهرين [1] في الفن ، كيف وهو حرم القطرة والذرة - على حسب ما أشرنا إليه - مع عدم سكر أصلا حسما لمادة الفساد ؟ ! فإن قلت : القطرة والذرة خمر لغة وعرفا ، وما ذكرت واحتملت من الأثر فلا يصدق عليه السكر عرفا ، والمناط هو العرف واللغة . قلت : العرف مناط إذا لم يظهر من الشرع اصطلاح ، كما هو المقرر ، وقد ظهر منه ما ظهر ، والفقهاء القدماء الخبيرون الفاضلون المعاصرون الشاهدون السالمون من الشبهات والاجتهادات فهموا ما فهموا ، وأفتوا بما أفتوا ، وأجروا جميع أحكام الخمر ما أجروا ، والرواة حين سألوا عن بدء تحريم الخمر واتخاذه فأجيبوا بحكاية الثلث والثلثين فقط ، من دون تعرض إلى أمر آخر ، فسكتوا بمجرد ذلك وقنعوا من دون تأمل ولا تحير ولا تزال . . إلى غير ذلك مما أشرنا إليه . على أنه غير خفي أن المناط في المقام ليس الصدق العرفي ، بل ما هو أثر الخمر وعاقبتها وإن كان أثرا ضعيفا ، وأدنى عاقبة منها ، بل ولو على سبيل الاحتمال أيضا ، كما عرفت مفصلا . ألا ترى أن الطبيب إذا قال لمريض : يضرك ويهلكك الخل والأشياء
[1] في النسخ : ( إلا المذاق الماهرين ) ، والظاهر أن الصحيح ما أثبتناه .