وأمّا قوله : ( لأنّهم قالوا يستحبّ الجهر بالبسملة في ما يجب القراءة فيه في الإخفات ، والركعتان الآخرتان خارجتان عن ذلك ) . ففيه : أنّ اعترافه بقولهم باستحباب الجهر في ما يجب فيه الإخفات كافٍ في العموم للآخريّات ، وأمّا إخراجه الركعتين الآخرتين ففيه مضافا لما مرّ ما عرفت ممّا مرّ مراراً من تصريح الفاضلين والشهيدين وغيرهما من المحقّقين بتفرّده بهذا التخصيص ، وأنّ الإجماع قد سبقه ولحقه ، والسبر والوجدان أعدل شاهد لهذا العنوان ، إذ لو وجد المخصّص لنقل ، ولو نقل لوصل ، كما وصل النصّ العامّ بالجهر لتساويهما في مسيس الحاجة إليهما ، وتوفّر الدواعي عليهما ، وكلّ ما تمسّ الحاجة إليه ويتوقّف التكليف عليه مع عدم المانع يجب إبرازه ، وحيث لم ينقل لم يبرز ، وإذ لم يبرز فلا تكليف إذ لا تكليف إلَّا بعد البيان : « الناس في سعة ما لم يعلموا » [1] : « كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي » [2] ، ولو برز ولم ينقل لزم منه إخلال الرواة والأصحاب ، أو العلماء الأطياب ، واتّصافهم بكتمان العلم المذموم في السنة والكتاب ، الموعود عليه فيهما بشديد العقاب وأليم العذاب . واطَّلاع هذا الشيخ وتبحّره غير منكور ، إلَّا إنّه معارض باطَّلاع مَنْ كان سابقاً عليه كالمحمّدين الثلاثة الأوائل ، ومَنْ تأخّر عنه كالمحمّدين الثلاثة الأواخر [3] ، وغيرهم من الأفاضل ، مع حرصهم على جمع شتات الأخبار ، وجدّهم في طلبها آناء الليل وأطراف النهار . وبانضمام ما قرّروه في الأُصول من عدم جواز العمل بالعامّ إلَّا بعد الفحص عن
[1] الفقيه 1 : 208 / 937 . [2] المحمّدون الثلاثة الأوائل هم : محمّد بن يعقوب الكليني صاحب ( الكافي ) ، ومحمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي الصدوق صاحب ( مَنْ لا يحضره الفقيه ) ، ومحمّد بن الحسن الطوسي صاحب ( التهذيب ) و ( الاستبصار ) . والمحمّدون الثلاثة الأواخر هم : الفيض محمّد مرتضى الكاشاني صاحب ( الوافي ) ، والحرّ محمّد بن الحسن العاملي صاحب ( الوسائل ) ، والمجلسي محمّد باقر صاحب ( البحار ) . راجع معجم الرموز والإشارات : 306 . [3] الذكرى : 191 .