السماء ، كما نطق به القرآن كقوله تعالى : * ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الأَرْضِ ) * [1] ، وقوله تعالى : * ( وأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ ) * [2] ، بمعونة تفسيرها في الأخبار بالأنهار والعيون والآبار [3] ، وقوله تعالى : * ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ ) * [4] هو أنّ علَّة تطهير المياه الأرضيّة السفليّة نزولُ أصلها من المادّة السماويّة العلويّة ، وأنّ الطهارة والطهوريّة الثابتتين لذات الماء الجاري صفتان تابعتان للصفتين الذاتيّتين الثابتتين للمادّة المسلوكة في المنبع والمقرّ . فالأصل فيهما حينئذٍ هو ماءُ المطر ، وأنّ ما سواه فرعٌ عليه وإنْ تكثّر ، فينبغي جعلُ تشبيهه بالجاري من عكس التشبيه ، وأنّ الحقّ تشبيهُ الجاري به لما مرّ ، وإنما عكس نظراً لإفهام العوام وتقريباً للمتعارف بين الأنام . وحيث إنّ اعتصام المياه المطهّرة وعصمتها لغيرها إنّما هي بالمادّة ، فتختلف أحكامُها باختلافها كمّاً وكيفاً ، كما في تعليل طهارة ماء الحمّام بأنّ له مادّة [5] ، وكذا في ماء البئر [6] ، وبها استدلّ على أنّ قليل النابع كالكثير . وحيث إنّه لا مادّة أقوى من مادّة اتّصال ماء المطر بالسحاب المسخّر لذلك من ربّ الأرباب ، ولا كثرة أكثر ممّا اتّصل سيلانه من مسافة السماء إلى الأرض ، فلا فرق في النازل بين الغزير والنزير ، ولا في النزول بين التواتر والتقطير . ولعلّ هذا هو السّر في تعليق تطهيره على الجريان بالمعنى الذي ذكرناه في أوّل العنوان ، وعلى أنّ ما أصابه من الماء أكثر منه ، فإنّ ظاهره تنزيل نزوله من المادة السماويّة بمعنى سيلانه منها وإنْ لم يجرِ على المساحة الأرضيّة منزلةَ الكثرة المعتبرة في تطهير المياه الأرضيّة .