الْقُرْآنَ ) * [1] ، وقوله سبحانه : * ( وإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ ) * [2] و * ( قُلِ ادْعُوا الله أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ ) * [3] لا يدلّ عليها ، لما عرفت ، إذ قصاراها إفادة الاختصاص ، ولات حين مناص ، مع إمكان ابتنائها على حذف الموصوف وإقامة الصفة فيها ، كقوله تعالى : * ( أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ ) * [4] و * ( أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ ) * [5] وغيرهما من الآيات . وكأنّ وجه الاختصاص بعد النصّ والإجماع أنّ معناه المنعم الحقيقي ، البالغ في الرحمة أقصاها ، ومفيض جميع النعم أعلاها ، وأخلاها ، وأهناها ، وأسناها ، تفضّلًا منه وإحساناً ، وتطوّلًا وامتناناً ، لا على وجه الاستحقاق لما يسبغه من أنواع الأرزاق . ولا يصلح لهذه الأوصاف إلَّا الخالق الرزّاق على وجه العموم والإطلاق لأنّ ما سواه تعالى إنّما يطلب بإحسانه إمّا ثواباً أُخرويّا ، أو ثناءً دنيويّاً ، أو إزالة خساسة البخل ، أو غير ذلك من الأغراض والأخلاق ، مع أنَّ ذات المنعم والنعَم والتمكين من إيصالها وإقداره على تحصيلها من جملة نعمه الجزيلة وأياديه الجميلة . إلَّا إنّ هذا التوجيه موقوف على كون هذه اللفظة بهذه المعاني عند أهل اللغة ، وليس كذلك ، اللَّهمّ إلَّا أن يثبت كون معناها في العرف ذلك ، كما هو صريح بعض وظاهر آخرين من العلماء المحقّقين [6] . وجه تقديم الرحمن على الرحيم فإنْ قيل : إنّ القاعدة في المدح إنّما هي الانتقال من الأدنى إلى الأعلى ، كما يقال : عالم نحرير ، وناقد خبير ، وعالم حليم ، فلِمَ قدّم الرحمن على الرحيم ؟ قلتُ : ذلك إمّا من قبيل التتميم فإنّه لمّا دلّ على جلائل النعم وأُصولها ذكر الرحيم ليتناول ما خرج منها ، وهو باب سائغ مطلوب وشائع محبوب ، أو أنّ ذلك إنّما يجب فيما إذا كان الأعلى يدلّ على الأدنى بإحدى الثلاث لئلَّا يلغو ذكر الأدنى لدلالة
[1] الرحمن : 1 - 2 . [2] الفرقان : 60 . [3] الرحمن : 1 - 2 . [4] سبأ : 11 . [5] الحديد : 25 . [6] البحر المحيط 1 : 31 .